-
°C
+ تابعنا

افتتاحية.. بقلم: أمين نشاط

الرئيسية ديرها غير زوينة فيديو بوعشرين وعفاف برناني: الفضيحة التي لا تموت أو الحكم النهائي الذي عرى زيف الرواية

فيديو بوعشرين وعفاف برناني: الفضيحة التي لا تموت أو الحكم النهائي الذي عرى زيف الرواية

كتبه كتب في 7 يناير 2025 - 7:45 م

كان توفيق بوعشرين، الصحافي الذي تماهى لسنوات طويلة مع صورة المثقف المصلح، فارسا لا يشق له غبار في تقديم الدروس الأخلاقية والسياسية والاجتماعية للآخرين. كان يجيد فنون الإشارة والتلميح، ويبني هالة من التصوف على “قلمه”، كأنه يُملي على الآخرين من أبراج الحكمة العالية. لكن، ها هو الزمن يدور دورته، فيطيح بالرجل من عليائه، ويضعه أمام مرآة الحقيقة “عاريا” كما ولدته أمه، حيث لا مجال للتمويه ولا طلاء للمشاهد القبيحة.

ليس بالأمر السهل أن تكون مُلما بمَواطن ضعف البشر وتُصيرهم دروسا في كتابك الأخلاقي المفتوح، ثم تجد نفسك عالقا في “حيص بيص”، ضائعا في متاهات الفضائح، تكاد لا تجد لنفسك مهربا إلا بالكذب والتمويه. كان بوعشرين نموذجا لهذا السقوط المدوي، الذي لا يعكس فقط فشله الشخصي، بل يفتح باب التساؤل حول الأخلاق حين تتحول إلى مسرحية، والجريمة حين تتقمص رداء المظلومية.

قبيل اعتقاله وإدانته في قضية اعتداءات جنسية شنيعة على عدد من الصحافيات والموظفات بجريدته، كان بوعشرين قد أتقن دور المرشد الاجتماعي الذي يقتنص عيوب الآخرين ليقدمها دروسا للرأي العام. لكن ما كان مستترا خلف هذا الدور، ظهرت تفاصيله في المحاكمات: شهادات مؤلمة، ضحايا يتحدثن عن استغلال جنسي مهين، وسيدة متزوجة توفيت كمدا وغما على ما تعرضت له فوق كنبة بوعشرين، وسيدات ما زلن يحملن ذكرى الفعل المريع كما يحملن جرحا لا يندمل.

العدالة قالت كلمتها، وانتهى الكلام. بيد أن بوعشرين، بعد خروجه من السجن بعفو ملكي، اختار ألا يلتزم الصمت أو يراجع ذاته، بل خرج في إطلالات تحمل رسائل مشفرة، وكأنه يريد أن يعيد رسم الأحداث في مخيلة الناس على هواه ووفقا لروايته الشخصية، وكأن اعتقاله كان ظلما، وكأنه ضحية لنظام لا يتسامح مع “أصوات الحق.

في غمرة هذه الرسائل، اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري، طيلة اليومين الأخيرين، على وقع شريط فيديو صادم انتشر كالنار في الهشيم. يوثق الفيديو لممارسات جنسية شاذة تجمع بوعشرين بعشيقته عفاف برناني، التي ادعت سابقا أنها لم تكن على علاقة جنسية معه، وأنه لم يقترب منها، وأن كل ما يروج، هو من “تلفيق المخزن”.

لكن الحقيقة لا يمكن أن تُوارى طويلا. ظهر الفيديو ليهدم روايتها، ويسقط آخر أوراق التوت عن المسرحية الهزلية التي حاول بوعشرين وبرناني تقديمها. مشاهد الفيديو كانت صادمة إلى درجة أن تفاصيلها تُستعصى على الوصف، لكنها كانت كافية لتُسقط كل أقنعة البراءة التي حاول الرجل ومحيطه الترويج لها، وتفتح صفحة جديدة في سجل الفضائح التي تلاحقه.

كان الأحرى ببوعشرين بعد مغادرته السجن أن يختفي عن الأنظار، أو أن يراجع نفسه بعيدا عن الأضواء، عله يجد خلاصا ذاتيا بعيدا عن الكذب المستمر. لكنه، للأسف، اختار أن يستمر في لعب دور الواعظ المصلح، متناسيا أن الأفعال هي المرآة الأصدق للرجال، وأن الجرائم التي ارتكبها في حق ضحاياه ليست مجرد لحظة عابرة، بل أفعالا “تزلزل عرش الرحمان”.

الفيديو الأخير كان بمثابة الحكم النهائي للرأي العام، الذي لا يمكن تزييفه أو مغالطته طويلا. إنه شهادة جديدة على أن السقوط الأخلاقي لا يُمحى بالكلمات، وأن من يتقمص دور القداسة دون استحقاق، سيجد نفسه يوما مكشوفا أمام الجميع.

لقد علمنا التاريخ أن الاعتراف أول الطريق للنجاة، وأن التمادي في تزييف الحقيقة لا يزيد الأمور إلا سوءا. ربما على بوعشرين أن يدرك أخيرا أن الحقيقة لا تُدفن، وأن القلم الذي حمله يوما ليكتب عن أخطاء الآخرين، صار اليوم شاهدا على سقوطه المريع، الذي لم يعد مجرد حادثة، بل درسا مليئا بالحكمة والعبر.

قد يظن البعض أن الحكاية انتهت، لكن ما وقع لتوفيق بوعشرين يظل شهادة على أن النفاق الأخلاقي لا يدوم، وأن العبرة الحقيقية ليست في سقوطه وحده، بل في ضرورة الانتباه إلى من يتقمصون دور المصلحين بينما أفعالهم تهدم كل ما يدعون إليه. إنها دعوة إلى التأمل، وإلى وضع الأفعال قبل الكلمات، لأن الكلمات مهما بدت عظيمة، تظل عاجزة عن تبرير الجرائم التي ترتكب في الخفاء.

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .