إن استهداف المغرب ومصالحه الاستراتيجية عبر لوبيات واذناب بعض دول الاتحاد الاوربي لاسيما الفرنسية، سواء عن طريق استعمال ملف حقوق الانسان أو القيام بحملة اعلامية ودعاية مغرضة، أو عبر الاذناب السياسية الراديكالية التي ما تزال تعتقد انها وصية على مغرب القرن العشرين…، كله ذلك يعبر عن الارتباك الذي تتخبط فيه القارة العجوز فيما بين أعضاء الاتحاد الاوروبي الذي يعيش مشاكل داخلية وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، كما يثبت الازدواجية في التعامل مع المغرب حيث يتبين التعارض الصارخ بين ما تقوم به بعض الدول كفرنسا تجاه المغرب ورفضها إتيانه إياها منه أو من غيره، فهي ترفض مغربا يدافع عن مصالحه وتريد مغربا يرضيها على حساب وحدته الترابية ومصالحه العليا، و تتدخل في شؤونه كلما تقدم خطوة تحت مسميات حقوقية أو سياسية، و تدفع عصابة الحكم في الجزائر لتأجيج الصراع والتوتر مع المغرب.
إنه من غير المقبول خرق مبدأ عدم التدخل في شؤون الداخلية للدول، والمغرب من حقه رفض الاملاءات، ومن حقه التعاطي مع المواضيع المطروحة دوليا باعتباره كيانا كامل الأهلية القانونية والسيادية، ومن حقه أيضا ان يبرم شراكات مع من يريد وأن يفرض شروطه التي تراعي مصالحه العليا كأساس لأي اتفاق أو شراكة انطلاقا من سلطته السيادية على قراراته و وحدته الوطنية طبقا لاختياراته الدستورية، فالتعاون والشراكة يخضعان لقواعد قانونية ولأعراف دولية تنظمهما، ويتطلبان مراعاة الايجاب والقبول والتراضي حول موضوع الاتفاق ووفق شروط متقابلة. بينما الاستفزاز الاوربي للمغرب يبقى عمل من جانب واحد وهو توجه مرفوض وغير قانوني وغير اخلاقي ويعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للمغرب، ويعد مؤامرة تحاك ضده وضد مصالح الشعب المغربي يراد منها المساومة وفرض الرضوخ لمصالح الاتحاد الاوروبي، وهذا التشويش والازعاج والاستهداف السري والعلني قد يعرض الشراكات واتفاقيات التجارة والتعاون للتعطيل، خصوصا بعدما قرر المغرب قطع العلاقات والشراكات مع الدول التي لا توضح موقفها من قضية الصحراء المغربية. وانهاء التعامل بالمزاجية او الازدواجية في المواقف التي ترى بمنظار الصحراء المغربية، أو التقليل من قيمة العلاقات التي تربطه ببعض الدول كالشراكات الاستراتيجية المغربية الامريكية الاسرائيلية، حيث أحست فرنسا بتأثير هذه الشراكة على مصالحها في المغرب العربي وفي دول افريقيا، وهو ما أزعج فرنسا العميقة ومعها اللوبيات الاوربية الاقتصادية التي لها مصالح مشتركة في مستعمرات ما وراء البحار.
ويبقى تأثير الاستهداف الاوربي محدودا بفضل تحصين المغاربة للجبهة الداخلة، و تنويع الشراكات الاستراتيجية للمغرب وقوة وتحصين شراكاته الدولية، اضافة الى تطويق نزاع الصحراء المغربية بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن وصلابة الجبهة الداخلية، الشيء الذي يضعف من خيوط التشويش التي تحركها عناكب الفكر الراديكالي الاستعماري للدول الاوربية، التي تدعي محاربتها للتطرف بشتى انواعه لتعارضه مع مفهوم حقوق الانسان الاوربي، بينما تؤيده وتموله لمواجهة أنظمة الدول العربية والافريقية أو لتأجيج الصراع بينها، وفي مقابل السماح للحركات السياسية ذات التوجهات الفكرية اليمينية المتطرفة والمتعصبة بالتأثير في توجهات الانظمة السياسية الأوربية، وتراعي توجهاتها في صناعة قرارات دول الاتحاد الاوروبي ووصولها الى الحكم كلما رأت ذلك في صالحها، نجدها ترفض وجود تيارات يمينية متطرفة في الدول العربية والافريقية تفاديا للتعامل بالمثل وتقابل الرؤى بالندية.
واستمرار حملات الاتحاد الاوربي ضد المغرب يمكنه ان يعيق التعاون والشراكة ويهدد بوقف التعاون في عدد من المجالات لاسيما في مجال الفلاحة والتهديدات الأمنية التي تشكل خطرا حقيقيا على أمن اوربا، ومن المفروض تدخل الدول الاعضاء التي تربطها بالمغرب شراكة اقتصادية مستقلة عن الاتحاد الاوربي وتعلم بخلفيات وتوجهات اللوبيات الاوربية التي تشوش على الطموحات المشتركة مع هذه دول مثل اسبانيا والمانيا وهولندا.. لكون ذلك يسيء الى سمعة الاتحاد الاوربي ويحيي الحقد الاستعماري الذي قطع معه المغرب و أصبح من غير المجدي التجبر بعدما تحررت الشعوب و تخلصت من سيطرة الظلم الاستعماري لأوربا الفاشية و ذات النزعة القومية العنصرية.
و مع مواصلة المغرب لمسيرة النماء والانجازات محققا بذلك طفرة نوعية وتقدما في عدد من المجالات، ومع تضييق الخناق على أعداء الوحدة الترابية على المستوى الافريقي والدولي، وانزعاج بعض الدول كفرنسا المتحكمة في سيرورة الأزمة المغاربية والافريقية، ومعها الخصوم المناوئين بالوكالة، والذين تتحكم فيهم بالإملاءات مقابل بعض المصالح الضيقة ، مما يدفعها الى تحريك الأذناب المتخصصة في التشويش واثارة النعرات تحت مسميات حقوق الانسان مثل التقارير التي تعدها أمنستي او حماية الانفصاليين ومنح الخونة اللجوء السياسي و السماح لهم عبر وسائل الاعلام بمهاجمة وطنهم تحت ذريعة حرية التعبير، و استقبال ومساعدة الأعداء، علما ان الدول الاوربية ترفض أن تقابل بنفس الاسلوب، ولديها تهم ثقيلة جاهزة لإلباسها لكل من يحاول ان يتعامل معها بالمثل . مما يعني وجود أجندة خفية بغيضة تجاه المغرب، وتعبر عن استمرار حقد الفكر الاستعماري، و يراد من تحريك النعرات تقزيم المجهودات وعرقلة الاختيارات وابقاء المغرب في حالة تبعية، ولأهمية موقعه الجيواستراتيجي، وأن يظل تحت رحمة فرنسا، هذه الرغبة في التحكم المعيق للحرية والاستقلال و في كل ما يعزز العمل السيادي تنم عن حقد فرنسا ورفضها لخروج المغرب من دائرة التخلف رغم استثماراتها المهمة فيه، بل تريد له الانسلاخ عن الذات والهوية والتسليم بحقها في استمرار نهب الثروات ضمانا لرخاء الشعب الفرنسي، بالاحتكام لمنطق الاستقواء على حساب تفقير وتخلف الشعب المغربي ومعه شعوب القارة الافريقية و ذلك من خلال تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة ونظرية المؤامرة، خصوصا وانه لا يمكنها تأمين احتياطاتها الا بنهب ثروات دول العالم الثالث بعدما أنشأت بنية تحتية للتحكم فيها، عن طريق الاستغلال العشوائي للثروات المؤطر بالفكر الاقتصادي الاستعماري الذي لا يسمح بتنمية حياة الانسان الاسود البشرة، رغم أن الوكالة الفرنسية لتنمية افريقيا عمرها ثمانون سنة ولم تحقق أية تنمية، و ما تزال تعمل على محاربة الاستقلال الاقتصادي و السياسي، مقابل الحفاظ على هيمنتها وثرائها، وتعيق كل الاصلاحات السياسية والتنموية في دول افريقيا حتى تبقيها ضيعات تحت تصرفها، فهي كلما حافظت على ارتفاع معدل نموها وتحكمت في انخفاض معدل نمو الدول الضعيفة، ضمنت استمرار رجاءها واستغلال ثروات هذه الدول.
الدكتور أحمد درداري
أستاذ بجامعة عبد الملك السعدي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان
رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات
تعليقات الزوار ( 0 )