ان الحديث عن مستقبل المغرب في ظل التقلبات العالمية يطرح سيناريوهات التنبؤ بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية انطلاقا من كون النظام العالمي يخضع لضغوطات الاتجاهات الدولية الكبرى التي تحاول إعادة هيكلة نظام عالمي جديد يتراوح بين احتمال تقسيمه إلى قطبين أو الى تعددية قطبية بناء على معطيات ديموغرافية واقتصادية وتكنولوجية وبيئية، لاسيما مع ظهور دول صاعدة ركبت في ديناميتها على معطيات الانتقال الكلي عملا بتنوع الاحتمالات والخيارات الممكنة والمطروحة لتحديد مؤشرات تقدم الدول في أفق 2050.
ووعيا بضغوطات التحديات العالمية على المجتمعات والدول وما تحدثه من صدمات وأزمات فقد وجد المغرب نفسه ومنذ 1999 أمام واقع دولي يفرض شروطا جديدة للتعاطي مع التحديات العالمية كالمناخ والأمراض والأزمات الاقتصادية والتكنولوجية والهجرة..الخ، إضافة إلى استمرار أزمة نزاع الصحراء المغربية صنيع الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي السوفيتي الأمريكي الذي عرفته عدة مناطق من العالم، مما خلق اضطرابا في مقاربة التحول والانتقال والتغيير حيث أريد للنظام السياسي المغربي شل قدراته وإضعاف نفوذه وإبقائه جغرافيا في خانة مناطق الصراع ليكتفي بالدفاع عن النفس في مواجهة خيار الحرب ضد أعداء الوحدة الترابية . مما دفع السلطة السيادية إلى إعادة قراءة تاريخ الأزمات في السياسة الخارجية المغربية وأحدثت تغييرا في المواقف كالعودة إلى البيت الإفريقي وجددت مقاربات التعاطي معها بالموازاة مع ترصيد واستثمار القدرات الديبلوماسية التي وسعت وقوت من النشاط الدبلوماسي الرسمي المتنوع وحسنت من العلاقات المغربية الدولية، وبوأته مقاما متميزا بين الدول الكبرى، ومنحته حضورا مشرفا في عدة مجالات على الصعيد العالمي والقاري والإقليمي، بالإضافة إلى نيله للثقة الدولية بناء على دقة مقاربته وحكمته في إدارة خلافاته مع الدول و إسهامه في حل النزاعات الدولية وحرصه على حماية الأمن والسلم الدوليين.
وفي ظل توقع حدوث أزمات يصعب تخمينها ظهر مفهوم الأمن القومي للدول الذي تجاوز في محاكاته الأمنية حدود الخطر العسكري والأمني التقليديين لاسيما في ظل تعقيد الترابط والاتصال بين المجتمعات المختلفة، وانتقال حياة الشعوب من الواقع الملموس الى الواقع الافتراضي الماسح للحدود الوطنية و الأكثر تجاوبا وسرعة، مما أدى الى ظهور التحكم والقمع الرقمي للسيطرة على الشعوب وتتبع حركاتها في ظل نظام عالمي غير متوازن وغير آمن وينبئ بظهور حركات وقوميات جديدة تدعي القدرة على مواجهة وحل المشكلات العالمية، إضافة إلى إمكانية تنامي الفجوة بين مطالب الشعوب في مقابل ضعف امكانيات الحكومات والشركات، وحدوث ثورات واضطرابات تفاعلا مع موجات التغيير الفجائي.
كما أن تحدي البيئة الجيوسياسي وظهور حق اللجوء البيئي والاقتصاديات البيئية التي أسست لاقتصاديات الثقافة وفرضت على المغرب التكيف والتأقلم معها والاستعانة بالخبراء الحكوميين وغير الحكوميين في مجال التكنولوجيا لتغيير التوجه الطاقي المغربي وبناء محطات للطاقة البديلة ومنها دخول المغرب نادي الطاقة النظيفة، الشيء الذي سيتغير معه الاقتصاد والمعطى الجيوسياسي مع هذا التحول للطاقة المتجددة وتلاشي النفوذ النفطي، إضافة إلى معطى الاستفادة من تكنولوجيا التحكم في البيانات والتي ستجعل من بعض الاقتصاديات الأقدر على الهيمنة، ومحددة للسرعة والبطء، ولأسلوب حياة مجتمعات النانو، والبحث عن معالجة الشروخ والفوارق الاجتماعية، وتجاوز ضعف التعاون الدولي المرتبط بالأزمات الصحية والتحول نحو الصناعة البيوتكنولوجيا لتحقيق السيادة الصحية والمخزون الصحي في مواجهة الحروب البايلوجية والتحديات الصحية المستقبلية وأثرها الاقتصادي والاجتماعي البالغ كالذي خلفته جائحة كورونا على اقتصاديات الدول والتي ما تزال تساءل وظائف الدول الاجتماعية في ظل الجائحة.
إن الأزمات المستقبلية سوف تنهك قدرة المجتمعات والدول وستؤثر على البنية التحتية الرقمية والتعليم والرعاية الصحية في ظل تباطؤ النمو الديمغرافي لدى بعض الدول وتراجع معدل الولادات في مقابل تصدر الهند النمو السكاني العالمي في أفق 2027، وتعرض الهرم السكاني العالمي للشيخوخة في الثلاثين سنة القادمة، مما سيؤثر على قدرات الدول الإنتاجية وسيرتفع حجم المعاشات والرعاية الصحية للمسنين، مما سيؤثر على الإنفاق العام وستكون الدول معه مضطرة إلى الزيادة في الضرائب أو التقليل من الخدمات العمومية. وعليه فان المغرب وعملا بالتنبؤ وأخذ الاحتياطات بشكل استباقي أصدر قانون التغطية الاجتماعية لتأمين جميع الشرائح ضد الأزمات الصحية والاجتماعية المستقبلية المختلفة. كما أن تغيير التكنولوجيا لطبيعة العمل من تقليدي إلى عمل يتطلب المعرفة الذكية سيطيل فترة البطالة التي ستحتاج إلى مهارات للخروج منها والدخول من جديد إلى سوق الشغل.
هذا وفي ظل تنامي الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري وتعزيز أداء أنظمة الدفاعات العسكرية والأنظمة الأمنية هناك تحدي يتعلق بتحفيز التقدم الصناعي والابتكار في مجالات الصحة والزراعة والصناعة والعلوم وذلك لمواجهة تحدي المخزون الاستراتيجي في مجال الصحة والغذاء والطاقة، ومن جهة أخرى هناك توجه نحو الأبحاث الجينية لتعديل الأجنة واستخدام الحمض النووي في تشفير البيانات وتخزينها وهو ما سيحدث تغيرات اجتماعية سريعة من المتوقع أن تختفي معها الخصوصية، والتوجه نحو استخدام الفضاء لمختلف الأنشطة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث ستصبح التكنولوجيا قوة جيوسياسية متجاوزة للتنظيمات والتشريعات المرتبطة بها، مما قد يسبب خيبة أمل وقلقا اجتماعيين قد ينتج عنها أوبئة مخلقة أو حروب عبر استخدام تكنولوجيا النانو، وستصبح الحكومات فاقدة للثقة بسبب غياب الكفاءة وستواجه توترات ومواجهات مستمرة وتهديد الديمقراطيات و إعادة ترتيب أولويات الشعوب.
كما أن الجريمة الالكترونية ستصبح سلاحا سيوسع الانقسامات بين الدول الغربية وستظهر قوى جديدة ستصطدم مع الدول الغربية وستسعى لبناء تحالفات وتكتلات إقليمية. و في المقابل ستتحقق الثقة في المؤسسات الديمقراطية في بعض الدول إذا استمر القضاء على الفساد وتعزيز الشفافية وإعمال المحاسبة.
إن الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات المضللة و التسلح غير المتكافئ لمواجهة التفوق العسكري لتفادي تكلفة الحرب التقليدية ستفرض اللجوء إلى أنظمة التصنيع العسكري المتطورة.
إن تنويع الشراكات الإستراتيجية للمغرب وتوسيعها سيمكن معها مواجهة المخاطر والمشكلات بمدلولاتها السياسية والاقتصادية والأمنية لاسيما إذا تم التفاعل مع البيئة الداخلية والخارجية وتجديد القدرة الإستراتيجية والتنظيمية والتوزيعية، والكشف عن الروابط والتفاعلات الداخلية للظواهر والتنبؤ بالنتائج وتكييف الأهداف والوسائل و ترصيد المكاسب المحققة. ذلك أن التحالف المغربي الأمريكي الإسرائيلي في المجال العسكري سيغير موقع المغرب الجيواستراتيجي في المنطقة و يؤشر على التحول المفصلي بين مغرب الأمس ومغرب اليوم، إضافة إلى أن الشراكات المغربية البريطانية والحوار الاستراتيجي بين المملكتين والانفتاح على دول أوربا الشرقية واستعادة العلاقات المغربية الألمانية على أساس ضوابط جديدة وقواعد تعاون متوازنة واعتذار اسبانيا عن أخطائها واستبدال نظرتها إلى المغرب واحترامها لمنطق التعامل الاسباني تجاه المغرب، وانفتاح المغرب على الدول الأسيوية خصوصا الصين واليابان و كوريا الجنوبية والهند إضافة التقارب المغربي الروسي من شأنها تقوية امتداد المغرب الدولي الاقتصادي والتجاري وامتلاك أوراق الاستقرار الأمني في المنطقة.
تعليقات الزوار ( 0 )