تبدو الانتخابات عند البعض مناسبة للتمرد وكأن ديمقراطيتنا هي ديموقراطية مقايضة المكاسب بالتمرد وديمقراطية افراغ المكبوتات السياسية بدلًا من التعقل واستغلال الاستقرار للتنمية والتناوب على السلطة بمنطق التنافس.
إن المشاكل ليست من صنع غيبي بل من ورائها جميع المكونات المجتمعية بما فيها الهيئات التي تتحايل الفرص لتظهر في الموسم الانتخابي حيث تعتبر انتهاء عهدة الولاية التشريعية مناسبة لقياس قوة تأثير التمرد وما قد يحققه من مكتسبات في موسم الانتخابات الذي يبدأ بتعبئة طالبي الحاجات رغم قدمها أو انها من صنع نفس التنظيمات القانونية وغير القانونية سياسية كانت أو موازية.
إن ملف المتعاقدين الذي كان من ورائه نفس الحكومة يخرج اليوم البعض من المحسوبين على الأحزاب الممثلة فيها ويعبرون عن رفضهم للتعاقد وأن نفس الحكومة كانت تنبذ العنف واذا بها تعنف بنفس الطريقة التي عنفت بها قبل الوصول الى السلطة.
من غير المنطقي أن يكون العمل المقبول بالأمس باسم الحكومة مرفوض في الموسم الانتخابي من قبل نفس الأحزاب المشكلة لها. والواقع يدل على أن المشاركة في السلطة تعتمد على وسائل تقليدية كاتهام الدولة بالفساد وحشد التأييد العددي والنوعي السياسي رغم المشاركة فيه للتمرد الموسمي عليها، وكأن الفساد يحجب المكتسبات والإصلاحات ويعيد الدولة الى نقطة الصفر، في حين ليس هناك فصل بين الأدوار الحقيقية للأحزاب مثل وضع برامج تتحمل مسؤوليتها عن تطبيق جزء منها عند وصولها الى السلطة من جهة، والتناقض بين حالة وجود الأحزاب في الحكومة ومواقفها لما تكون خارج الحكومة.
ان الظرفية الحالية وما تتطلبه من تعاون وتظافر الجهود لمواجهة التحديات والأزمات لا ينبغي ان تقابل بالانفصام السياسي الذي يجمع بين المساهمة في الفساد والضغط لمحاربته، بل ان الموسم الانتخابات يستغل كفرصة للترحال السياسي والتمرد الداخلي غير المبرر الا بما يعرض على السياسيين من مكاسب واغراءات.
كما أن تهييج وتطعيم التمرد بما لا يتناسب مع حجم الإمكانيات الموجودة و الركوب على الأزمة وتبخيص المكتسبات وكأن الوطن هو للبعض وليس للجميع يطرح سؤال من المستفيد من الأزمة ومن المستفيد من المكتسبات وهل يصعب الانتقاد مع مراعاة ما تحقق من منجزات ؟.
فإذا أقدمت السلطات المعنية بالتربية والتعليم مثلًا على اتخاذ مجموعة من الإجراءات من قبيل اقتطاع بسبب الإضراب غير المبرر بالنسبة لرجال التعليم الموظفين والذين تعاطفوا مع المتعاقدين، أو حاسبت المتعاقدين المضربين، هل ستقوم الجهات الداعية للإضراب بمنع تطبيق القانون ؟.
إن حرمان التلاميذ في المدارس العمومية من الدراسة هو في حد ذاته دعوة لخوصصة التعليم بطريقة غير مباشرة، لان الإضراب في بعض الدول مثل اليابان يتم بطرق مختلفة وجد حضارية ذلك ان المضربين في شركة السيارات طويوطا مثلا يتعمدون الزيادة في الإنتاج وليس ايقافه، وعقوبة مدير الشركة او المؤسسة هو تسويق المنتوج الزائد وفي ذلك مجهود مضاعف اذا أراد ان يتجنب افلاس الشركة، بينما الإضراب في دول التمرد والعرقلة والخسران هو التلذذ بإلحاق أضرار عامة تشفي غليل المضرب والمتمرد وكأن الإضراب هو انتقام وليس تعبير حضاري عن وجود عيب في مجال معين يجب إصلاحه.
ومن جهة اخرى فان تحريك الشارع في ظروف الجائحة والأزمة الاقتصادية والاجتماعية هو مجازفة وخطأ جسيم، لأن الدول تراعي السلامة الوطنية والسلم الاجتماعي والصحة العامة واعتماد التقشف الى حين تخطي أزمة آثار الجائحة بينما في بلادنا فالحرية ليست على مقاس هذا المنطق وكأن في المغرب لكل دولته خاصة به فيه، في حين ان الظرفية تقتضي تأجيل الانتخابات وتعديل الحكومة الحالية بجعلها حكومة وحدة وطنية الى حين تجاوز الجائحة ذلك ان الضمانات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ضعيفة، وان تحويل ميزانية الانتخابات الى المواطنين في وضعية هشاشة تكون انفع من صرفها على انتخابات العزوف السياسي والمفرزة لنتائج لا تأتي بجديد يذكر ما لم تتغير النخب الحزبية وطنيًا ومحليًا واذا طالبت الأحزاب بتحويل الميزانية المخصصة للانتخابات لصندوق الجائحة ستكون خطوة مهمة للتعويض عن غيابها في فترة الجائحة وإجراء صلح مع الناخبين وتغيير النظرة الى الأحزاب.
ومن جهة أخرى فإن التعليم العمومي بالوضعية التي يوجد عليها اليوم يتطلب الإصلاح في إطار استحضار السيادة و إخراجه من الأزمة التي يتحمل مسؤوليتها الجميع، ذلك أن الأحزاب التي ترشح الأميين وتطلب أصوات الفقراء هي التي تضرب في التعليم وتهين المثقفين بإسم مؤسسات الدولة والقانون، ذلك لأنها لا تحتاج كثيرا الى منتوج التعليم في الممارسة السياسية، والإصلاح التشريعي الحزبي مسؤولية صناع القرار في الدولة وما يصنعه الاستاذ المستنير في المجتمع كذلك، والتعليم يجب أن يخرج من دائرة التسييس والمقاولة السياسية ويمنح للسيادة، ذلك أن هدر الزمن التربوي في مقابل استمرار القطاع الخاص هو هدر للزمن التنموي وسيقود البلاد الى التراجع في مؤشرات التنمية، فهناك أخطاء مشتركة واختيارات غير موفقة وأضرار يمكن أن تعيد إلينا فشل المقاربة التشاركية للإصلاح في مقابل استمرار صناعة الصراع الذي يخلف ضحايا، بالإضافة إلى ضعف الرقابة المعرفية التي ستزيد من الفوضى الفكرية.
و إذا كانت الانتخابات المقبلة في موعدها باعتبارها مرحلة للإستشارة الشعبية والتجديد وتقييم أداء الأحزاب في ظل جائحة كوفيد-19، فممكن ألا تعطي الشرعية والثقة والتغيير المبحوث عنه عبر الصناديق الزجاجية.
وعلاقة بمراجعة دور الدولة في مجال التعليم فيمكن القول أن التمييز بين ظروف عمل يطبق فيها قانون الشغل وظروف عمل يطبق فيها قانون الوظيفة العمومية أصبح ضروريا، لأن إطار الأجير القانوني يختلف عن الذي يخضع لقانون الوظيفة العمومية، وذلك بمعيار القضاء الإداري والقضاء العادي، بالإضافة إلى ضرورة هيكلة وتأهيل القطاع الخاص وتقريبه من نفس وضعية القطاع العام حتى يصبح الفرق بينهما ليس كبيرا، إذا كان لابد من وجود القطاع الخاص فعليه أن يراعي شروط العمل التي تضمن الحقوق مثل أوربا، لأن أساتذة القطاع الخاص تضرروا في ظروف الجائحة، عكس أساتذة القطاع العام، إضافة مستوى الدخل والتأمينات والإضراب… إلخ.
تعليقات الزوار ( 0 )