مرة أخرى يفضح رئيس الدولة الملك محمد السادس اختلالات النموذج التنموي المغربي، والمناسبة هذه المرة، انعقاد المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، الذي احتضنه مجلس المستشارين تحت شعار “رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجـديد” يومي 19 و20 فبراير 2018.
وأمام هول الأزمة، وغياب رؤية تشاركية وتكاملية حول الأسئلة المحرقة التي تعتبر امتدادا للزمن السياسي والاقتصادي المغربي المهدور منذ الاستقلال، تظل إشكالية النموذج التنموي مسارا معقدا للباء، وسيرورة مجتمعية مفككة للتركيب، وأهدافا وطموحات بدون أفق، في غياب رؤية منقذة للمغاربة من جحيم التمايز واللامساواة بين مغرب المركز ومغرب الهامش أولا، وبين الجهات والمجالات الترابية ثانيا.
إن مشكلتنا لا يمكن تلخيصها في الحديث عن التخمة في التشخيص، صحيح أن الإدارات والمؤسسات المركزية والوطنية، التمثيلية منها والاستشارية، صرفت الملايير على الدراسات واللقاءات التشاورية والحوارية والتواصلية، صحيح أن الإدارات المركزية والمؤسسات الوطنية أعدت أطنانا من البرامج والمخططات والاستراتيجيات والتوصيات والمخرجات، لكن ليس لديها رؤية كافية للإنسان كعنصر أساسي في التنمية.
لقد آن الأوان لنقول الحقيقة للمغاربة، وآن الأوان لنعترف بما ارتكبه المركز ومازال في حق مغرب الهامش، وآن الأوان لتعترف نخب المركز بما اقترفته في حق ديناميات الهامش من تهميش وتبخيس ولا مبالاة.
إن النموذج التنموي الذي يتطلع إليه مجتمع الهامش ليس مسألة ميكانيكية يمكن حلها برأس المال وموارد طبيعية ويد عاملة. القضية مرتبطة بمعاناة تاريخية، وبجراح لم تندمل بعد، وفي مقدمتها مرض الأمية وعدم الاهتمام بالبحث العلمي في مناطق جبالة والريف والأطلس والشرق والجنوب، وتهميش للطاقات والكفاءات التي لا تجد من حل أمامها سوى الهجرة إلى الخارج أو إلى المدن والجهات التي تستحوذ على الثروة الوطنية، نتيجة لغياب النموذج التنموي المتوازن، وفشل ميداني في تدبير السياسات العمومية والترابية.
لقد مر 62 عاما عن الاستقلال ومازال المركز، ومؤسسات المركز، وأحزاب المركز، ونقابات المركز، وجمعيات المركز، وأطر ونخب المركز، يتعاملون مع الهامش بنوع من الاستخفاف والدونية وتكريس التفاوت.
لقد بينت انتفاضات وحركات واحتجاجات مجتمع الهامش صحة ما نقول، كما أظهر الاحتقان الاجتماعي في العديد من عواصم ومناطق مغرب الهامش هشاشة قرارات وتوجهات ومخرجات المركز في كل الميادين، وفي مقدمتها غياب رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الذاتية والخصوصيات الحضارية والثقافية لهذا التراب المغربي.
للأسف، إن نظرية الألعاب ما زالت لم تحدد لنا مع من يتنازع الفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المركزي ببلادنا، ولمصلحة من؟
نعم إن العدالة الاجتماعية تعد طموحا مجتمعيا يُعتمد في تحقيقه على التراكم الإيجابي والتقييم المستمر، لكن وعلى ضوء ما جاء في الرسالة الملكية بالمناسبة يبدو أن الأعطاب بنيوية، والمسألة لم تعد فقط مرتبطة بالسياسات الحكومية، أو بالمؤسسات التشريعية أو الاستشارية التي تفتقد إلى الرؤية التنموية، بل إن الأمر اليوم بات مرتبطا بضرورة إقرار الدولة الاجتماعية، ومن أجل ذلك يجب إعلان المصالحة العاجلة والفورية مع مغرب الهامش، وبين الإدارة المركزية ومصالحا الخارجية ومواطن الهامش، وتغيير عقليات المركز ونظرته إلى سكان الهامش، وتمكين الفاعلين والنخب المحلية من كل شروط الحياة والعمل والإبداع، وتأهيلها في كل الميادين والمجالات، وتمكينها من الحق في السلط والتسيير والتدبير.
تعليقات الزوار ( 0 )