احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، يوم الثلاثاء 27 فبراير الجاري، حدثا منقطع النظير تمثل في استضافة هرم من اهرامات القانون الدستوري فضيلة الدكتور محمد أمين بنعبد الله رئيس المحكمة الدستورية بالمغرب، لإلقاء محاضرة حول المحكمة الدستورية بالمغرب.
وافتتح اللقاء بكلمة ترحيبية من قبل رئيس جامعة عبد المالك السعدي الدكتور بوشتى المومني الذي أشار من خلالها للمشوار العلمي والعملي المتميز لفضيلة الدكتور محمد أمين بن عبد الله، لتليه كلمة عميدة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان الدكتورة مارية بوجداين التي بدورها شكرت فضيلته على قبول دعوة الحضور للكلية رغم التزاماته وانشغالاتة الكثيرة، وأن حضوره هذا سيظل راسخا في تاريخ الكلية وادهان الطلبة قاطبة.
وفي نفس السياق، وفي كلمة للدكتور مأمون فكري منسق اللقاء، أبى إلا أن يشير إلى الظروف والحيثيات التي جمعته بالدكتور بنعبد الله، وفي إطار ثقافة الاعتراف جدد شكره وتقديره لفضيلة الدكتور الذي كان عضوا في لجنة مناقشة اطروحته بجامعة بوردو بفرنسا و أثنى عليه لما أسداه له من نصح وتوجيه.
وبعد ذلك تناول الكلمة فضيلة الدكتور، الضيف المحاضر، والتي تناول من خلالها ثلاث نقاط أساسية:
- البعد القانوني للمراقبة الدستورية.
- تقييم المراقبة الدستورية.
- عدم دستورية القوانين.
حبث اعتبر رئيس المحكمة الدستورية بالمغرب، الدكتور محمد أمين بنعبد الله، أن تطهير القوانين من الناحية الدستورية ليس هاجسا لدى رجال السياسة بالمغرب، منبها إلى أن الأمور المتعلقة بالانتخابات تطغى على الإحالات الموجهة للمحكمة الدستورية، على حساب القوانين والحريات.
وكشف بنعبد الله أن المجلس الدستوري التي أُحدِث سنة 1992، أصدر 1043 قرارا ما بين 1994 و2017، جلها يهم الانتخابات بـ772 قرارا، مشيرا إلى أنه منذ إحداث المحكمة الدستورية سنة 2017، تم إصدار 230 قرارا، جلها أيضا يتعلق بالانتخابات.
و لفت المتحدث إلى أن الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى، والتي كانت أول تجربة للمراقبة الدستورية بالمغرب، أصدرت منذ إحداثها وإلى غاية 1994 قرارات قليلة بلغت 821 قرارا، كلها متعلقة بالانتخابات والتمييز بين ما هو تشريعي وما هو تنظيمي.
وتابع في هذا الصدد قائلا : “إذا استثنينا القضاء المتعلق بالانتخابات، لن نجد إلا القليل من القرارات في المجالات التي نتوخاها والمتعلقة بحماية الحقوق والحريات، وهي مراقبة القوانين، إذ نجد عدد الإحالات في هذا المجال لا يتجاوز 20 إحالة طيلة 30 سنة” حسب قوله.
وأرجع الفقيه القانوني هذا الأمر إلى كون تطهير القوانين من الناحية الدستورية ليس هاجسا يهم كل رجال السياسة بالمغرب، مشيرا إلى أن جل الإحالات تكون ذات بعد سياسي أكثر منه قانوني، مضيفا: “في كل الإحالات لا نجد إرادة الوصول إلى مطابقة القوانين للمقتضى الدستوري”.
- عدم لجوء الملك للمحكمة
بخصوص من لهم حق الإحالة على المحكمة الدستورية، أوضح أن هذه الصلاحية متاحة أمام الملك ورئيس الحكومة ورئيسا مجلسي النواب والمستشارين، وخُمس أعضاء مجلس النواب وخُمس أعضاء مجلس المستشارين.
لكن رئيس المحكمة الدستورية بالمغرب كشف أن كل الإحالات تأتي إما من طرف النواب أو من رئيس الحكومة، مشيرا إلى أنه لا توجد أي إحالة نابعة من رئيسا مجلسي النواب والمستشارين.
وعن سبب عدم إقدام الملك على توجيه أي إحالة إلى المحكمة الدستورية، أوضح بنعبد الله أن رئيس الدولة في المغرب هو أمير المؤمنين والساهر على حماية الدستور، ولا يمكن أن نعتبره كرئيس دولة ذات نظام جمهوري، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن الملك له إمكانية الإحالة على المحكمة الدستورية، لكن جرى العرف أن تكون المراقبة قبلية، أي قبل أن تعرض عليه القوانين في المجلس الوزاري ليصادق عليها، مشددا على أنه لا يمكن مقارنة المغرب بفرنسا في هذا الصدد.
وشدد الفقيه بنعبد الله على أن المراقبة الدستورية للملك يمكن أن تكون بطريقة أخرى، قائلا: “يمكن أن تكون عبر همسة أو خطاب أو إشارة، لذلك عدم لجوء الملك للمحكمة الدستورية ليس بغريب علينا وعلى نظامنا”.
- مدرسة مغربية للقانون الدستوري
يرى الخبير القانوني أنه في حالة تعثر مناقشة قانون ما أو وجود إخلال فيه من الناحية الدستورية، يجب إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، مشددا على أن الهدف ليس عرقلة عمل الحكومة، بل تطهير القانون من الناحية الدستورية فقط.
وأضاف: “حين تلجأ المعارضة إلى المحكمة الدستورية يبدو كأنه هجوم على الحكومة، لكن الأمر ليس كذلك، بل الوصول إلى تطهير القانون من الناحية الدستورية، وهذا الأمر فيه احترام للطرف الآخر وليس ضده”.
واعتبر المتحدث أن هناك بعض القوانين كان يمكن أن تحال على المحكمة، واعطى مثالا بقانون الجمعيات بسبب الإشكالات المرتبطة بالوصل المؤقت والنهائي، وقانون سابق حول اختيار أسماء المواليد الذي كان يمنع بعض الأسماء.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي، تعرض الأنظمة الداخلية لزوما على القضاء الدستوري، بينما لا تُعرض القوانين الأخرى إلا اختياريا، مشيرا إلى أن هذا الاختيار يتم في الواقع وفق أساس سياسي أكثر منه على أساس قانوني.
وفي هذا الصدد، يرى الفقيه بنعبد الله أن اللجوء إلى المحكمة الدستورية سيُمكننا من إنشاء مدرسة مغربية للقانون الدستوري التي كان تكلم عنها المغفور له الملك الحسن الثاني عند إحداث المجلس الدستوري في 1994، معتبرا أنه “بدون كثرة القضايا المحالة أمام المحكمة الدستورية لا يمكننا تأسيس مدرسة مغربية خاصة بنا”.
لكنه استدرك بالقول إن هذه الإحالات يجب أن تتم بطريقة منتظمة وعقلانية وليس باستمرار، مضيفا أنه: “من الناحية المسطرية لا يمكن إحالة جميع القوانين وإلا سنكون أمام فوضى دستورية، لكن من ناحية الحقوق والحريات يجب أن تحال القوانين بكثرة على المحكمة”.
وخلص بالقول إلى أنه “لا يمكننا أن نصل إلى تطهير القوانين من الناحية الدستورية إلا إذا ابتعدنا عن فكرة أن اللجوء إلى القاضي الدستوري هو هجوم على الطرف الآخر، بل في الحقيقة الأمر يتعلق بهجوم على عدم دستورية القوانين ليس إلا”.
- “توقيف المحاضرة”
وللإشارة، فقد شهدت هذه المحاضرة تغيير مكانها من كلية الحقوق بمرتيل إلى مقر رئاسة جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وذلك بعدما تسبب فصيل طلابي في توقيف المحاضرة بالكلية.
إذ أنه مباشرة بعد انتهاء الكلمة الافتتاحية لرئيس جامعة عبد المالك السعدي، بوشتى المومني، تدخل طلاب معدودين ينتمون لفصيل الطلبة القاعديين المعروفين باسم “الكراس”، للاحتجاج على رئاسة الجامعة بسبب ما يعتبرونه “تجاهلا” يطال مطالبهم.
وبحسب ما عاينته جريدة “شمال بريس” من داخل قاعة الندوات بكلية الحقوق بتطوان، فإن رئيس المحكمة الدستورية اعتبر أن هذه المحاضرة غير مناسبة لطرح إشكالات الطلبة على رئاسة الجامعة، مخاطبا إياهم بالقول: “أنا ضيف عندكم اليوم”.
وبعد إعطاء المسير مدة 5 دقائق لأحد ممثلي الفصيل الطلابي المذكور، من أجل الحديث، اقترح رئيس المحكمة الدستورية على رئيس الجامعة، تحديد موعد لعقد لقاء مع الفصيل الطلابي المذكور، من أجل مناقشة مطالبهم، وهو ما تفاعل معه رئيس الجامعة، إلا أن الطلاب المذكورين أصروا على الاستمرار في مقاطعة المحاضرة.
في حين قام مجموعة من الطلبة المنتمين للكلية بالتصدي للفصيل عبر مخاطبتهم بضرورة احترام الضيف الذي انتظره طلاب الكلية للاستفادة من خبراته في المجال الدستوري، إلأ أن الطالب المعني (الممثل للفصيل الطلابي) واصل حديثه واحتجاجه ورفض مطالب المنظمين والحاضرين بتأجيل طرح ملفهم المطلبي إلا ما بعد الندوة، وهو ما دفع رئيس المحكمة الدستورية إلى مغادرة القاعة. مما جعل عمادة الكلية تفضل عدم التصعيد ضد الفصيل الطلابي المذكور، قبل أن تقرر، بتنسيق مع رئيس الجامعة، نقل المحاضرة إلى قاعة المحاضرات بمقر رئاسة الجامعة بمدينة تطوان.
وفي تعليق له على ما حدث، قال رئيس المحكمة الدستورية بعد استئناف المحاضرة في مقر رئاسة الجامعة، إن ما حدث في كلية الحقوق يعتبر من المسائل الطببعية والعادية في كل الكليات والمجتمعات، مشيرا إلى أن ذلك يصب في منحى الحقوق والحريات.
وأضاف في ختام ندوته بالقول: “رغم أن الأمر كان فيه إزعاج، لكن يجب أن نهنئ أنفسنا أن كل من له ملاحظة يعبر عن آرائه، وهذا يدخل في الحقوق الدستورية” وفق تعبيره.
محاضرة قيمة زادت من إشعاع جامعة عبد المالك السعدي و كلية الحقوق بالخصوص