-
°C
+ تابعنا

افتتاحية.. بقلم: أمين نشاط

الرئيسية كُتّاب وآراء أمين نشاط :الحسيمة ورحلة البحث عن الجواب

أمين نشاط :الحسيمة ورحلة البحث عن الجواب

كتبه كتب في 14 أغسطس 2017 - 7:01 م

بعدما صار الكل يتحدث عن الحسيمة والحراك الشعبي/الإجتماعي بالأخص، قررت اليوم أن أقوم بكتابة هذا المقال ليصب في المجرى الكبير من المقالات والتحليلات والإجتهادات التي نراها يوميا على صفحات التواصل الإجتماعي وكلي أمل أن يتم التعامل مع هذا المقال كأنه شهادة قابلة للتغيير وخصوصا أن هذا الموضوع تجاورت فيه العتمة والضياء في بعض الأمور..

ما يقارب الثمانية أشهر على وفاة محسن فكري شهيد لقمة العيش، والحسيمة لازالت لم تهدئ بعد من شرارة 28 أكتوبر، ومهما يكن الإتفاق أو الخلاف بشأن تقييم الحراك الإجتماعي أو قيادييه بالريف فإنه في المحصلة ظاهرة سياسية واجتماعية إيجابية بل نقلة حضارية، ويكفي أنه حرك السواكن ونبه إلى حتمية التغيير والإصلاح.

في كتابه “سوسيولوجية الحركات الإجتماعية” لـ إريك غوفو، يذكرنا بالعديد من الحركات الإجتماعية التي عرفها التاريخ المعاصر منذ الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين وخاصة ثورة ماي 1968 والتي تعتبر أكبر حركة احتجاجية شهدتها فرنسا والحركة الاجتماعية الفرنسية في منتصف التسعينات  من القرن الماضي.

كما يناقش الحراك الإجتماعي ويحدده في تعبئة وتجند النساء والرجال حول آمال وطموحات ومصالح معينة.

كذلك الحسيمة اليوم، لكن ! ربما اليوم تأتي أمامنا عدة تساؤلات يطرحها موضوع الحراك الإجتماعي/الشعبي، من قبل :

  • أين كنا ؟ وأين نريد الوصول ؟ وأين وصلنا ؟ وبأي طريقة نود الوصول لمبتغانا ؟
  • هل العطب في دستور2011 أم في القوانين التنظيمية أم في المجتمع أم في المؤسسات الموازية أم الدولة ؟

 

 

أين كنا ؟

هنا الحسيمة، هنا الإقليم الذي كان مهمشا بسبب عوامل عدة، لكن شهد فترة معاصرة انطلقت في 1999، بتحول جذري في سياسة الدولة تجاه منطقة الريف، وبفتح مجموعة من الأوراش المهيكلة على مستوى البنيات التحتية والتطوير العمراني لمدينة الحسيمة.

لكن رغم سياسة إعادة الاعتبار وجبر الضرر الاقتصادي والاجتماعي هاته، لا تزال المنطقة تشهد مشاكل عدة خصوصا الحصار الذي يعاني منه بعض من كانوا يتاجرون بالاقتصاد الاسود لاسيما المرتبط بالمخدرات والتهريب والهجرة ومختلف انواع الانشطة الخارجة عن القانون التي ميزت منطقة الريف طيلة فترة الخمسين سنة الماضية، مما رسخ نوع من حرية الابتزاز للدولة والقانون، خصوصا مع تحكم الدولة في تطويق ظاهرة الارهاب وتجارة المخذرات بحرا وبرا وهو ما يفسر ان الدولة انهت الفوضى والجريمة وليس العكس مما ضيق الخناق على الذين انتهت مداخيلهم غير القانونية.

وفي أكتوبر 2015، أعطى الملك محمد السادس إنطلاقة مشروع « الحسيمة منارة المتوسط » الذي استبشر فيه خيرا ساكنة الإقليم والذي يروم وفق المشروع، إلى إنجاز المراكز الاستشفائية المتخصصة، ونواة جامعية وبناء مطار الشريف الإدريسي، وتهيئة منطقة صناعية، وبناء ملعب كبير لكرة القدم، وإحداث مسبح أولمبي، وقاعة مغطاة بمعايير دولية، وتشييد قاعتين مغطاتين بجماعتي أجدير وإساكن، وتهيئة ملاعب رياضية لفرق الهواة، إلى جانب بناء مسرح ومعهد موسيقي ودار للثقافة وإنجاز عدد من المشاريع الاجتماعية، الموجهة بالأساس للشباب والفئات الهشة..

لكن ما أثار استياء ساكنة الإقليم هو تعثر وتأخر تنفيذ المشروع الذي يتحمل فيه المسؤولية جل المنتخبين بدون استثناء والمسؤولين بالمنطقة والحكومة بالأخص..

 

أين نريد الوصول ؟

مما لاشك فيه فمعظم ساكنة الإقليم مطالبهم تتمركز في مطالب حقوقية، قانونية، إجتماعية، و إقتصادية، و إدارية تضمن العيش الكريم للفرد والمجتمع.

فيكفيك أن تتحدث مع ساكنة الحسيمة وخصوصا الفئة الشابة منهم مستفسرا عن معاناتهم ومطالبهم ستجد أنها جد بسيطة، فالبعض يريد فقط جامعة ليتمم دراسته فيها بدون التفكير في مصاريف التنقل والسكن والأكل خارج الإقليم، والبعض الآخر يريد فقط فرص شغل ليضمن قوت يومه بدون مد يده للغير، والبعض أمنيتهم الوحيدة هي تواجد مراكز استشفائية في المستوى وخصوصا لمرض السرطان ليعالج نفسه أو أحد أقاربه في مدينته لا التفكير في التنقل المتكرر للعلاج والذي يجعل من الشخص يتوفى ببطئ.

 

أين وصلنا ؟

اليوم، نجد أنفسنا أننا في طريق مليئ بالتساؤلات خصوصا عندما يسألك شخص ما أين وصل الحراك ! فبالنسبة لي كشخص لا أؤمن بالتغريدات الفايسبوكية، خصوصا بعد إغلاق بعض اشباه المناضلين لحسابهم الفايسبوكي فور اصدار مذكرة اعتقال في حق قادة الحراك، علما انهم كانوا دائما متربصين لزلات الآخرين لفضحهم فايسبوكيا ووصف البعض بالعياشة والبعض الاخر بالخونة..

ومنه، سأحاول التحدث هنا بالملاحظات والنتائج التي ألاحظها اليوم كمتتبع للشأن العام بمدينتي وسأعتبر هذه الملاحظات قابلة للتغيير من شخص لآخر خصوصا أنني إنسان أخطئ وأصيب في ملاحظاتي.

تعيش الحسيمة اليوم نوعا من الحزن رغم سطوع شمسها وخصوصا أن عدد المعتقلين يزداد يوما بعد يوم خصوصا بعد الخرجات المتكررة التي تصفها الدولة بأنها غير مرخصة وأن الجهات المنادية لها على صفحات الفايسبوك غير معروفة خصوصا في غياب قادة الحراك بعد اعتقالهم.

معانات وركود إقتصادي يعيشه تجار المنطقة الذين عهدوا الرواج التجاري لمحلاتهم في فصل الصيف خصوصا أن المنطقة تشهد ارتفاعا تجاريا مهما في فصل الصيف مقارنة مع الفصول الأخرى،

بالإضافة  لنشوب أزمة كبرى في الوساطة المجتمعية، بقنواتها الحزبية والنقابية والمدنية، وبنخبها ومثقفيها، والتي تجعل استراتيجية الشارع خيارا مركزيا لدى المجتمع، وتجعلنا أمام خطاب خام لم يتعرض لآثار “العقلنة” داخل مؤسسات التأطير وتدوير “المطالب”.

بالإضافة لخروج بعض السياسيين سواءا داخل أو خارج الوطن بخرجات إعلامية واضحة تستهدف تصفية حسابات سياسية ضيقة فيما بينهم متقمصين دور المغلوب على أمرهم في حين أنهم سبب رئيسي في الآفة التي يعاني منها الريف والمغرب ككل.

ضهور فئة جديدة من المناضلين همهم الوحيد هو التقاط الصور رفقة عائلات المعتقلين ونشرها على صفحات التواصل، بالإضافة لنشر أكبر عدد من التدوينات التي تسبقها عبارة “عاجل.. من مصادر خاصة..” غير مكترثين لصحة الخبر، بالإضافة للتغريدات المجهولة الهوية التي يحاولون من خلالها تبخيس كل شيء وخلق نوع من الصراع بين أبناء المنطقة من خلال تخوين البعض وتلفيق التهم والإشاعات لعدد كبير من سكان المنطقة بدون توفر أدلة منطقية، وكل هذا للحصول على أكبر عدد من الإعجابات عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

بالاضافة لكل هذا عرف مشروع “الحسيمة.. منارة المتوسط” تطورا يعد إيجابيا في تنفيذ محاوره، الشيء الذي سيؤدي لتحقيق معظم مطالب الساكنة التي كانت مبرمجة في المشروع، خصوصا وأنه تم تزويد مركز الأنكولوجيا بالحسيمة بمعدات جد متطورة متخصصة بالسرطان.

 

بأي طريقة نود الوصول لمبتغانا ؟

من منظوري الشخصي، لابد لنا اليوم من استخدام العقل والحكمة من أجل الخروج بصيغة رابح-رابح لكلا الطرفين الشعب والدولة، وذلك من أجل الوصول لتحقيق المطالب المشروعة وإطلاق سراح المعتقلين وتطبيق القانون والمحاسبة، والإتجاه نحو مغرب يتسع للجميع.

وأرى أنه أول ما يجب القيام به كأبناء المنطقة هو الإبتعاد عن الخطابات المتطرفة التي ستؤدي لانتشار ثقافة الكراهية خصوصا على مواقع التواصل التي تهدد خصوصا أسس العيش المشترك والرابط الإجتماعي بالمغرب والذي يسؤدي لإفراغ الحراك من محتواه.

فاليوم لابد من تحيين الأهداف الأولى لحراك الريف والتمسك بالسلمية التي هي الضامنة لنجاحه والإلتفاف بالطبقة المثقفة التي تستخدم العقل وتدعي للحوار العقلاني الإيجابي بين الطرفين من أجل إيجاد حلول ناجعة لما آلت له الحسيمة والإبتعاد عن المناضلين الفايسبوكيين الذي يُعد هدفهم الرئيسي هو الركوب على معانات عائلات المعتقلين والركوب على أمواج الحراك من أجل الوصول لأهداف تطبخ في الكواليس.

 

هل العطب في دستور2011 أم في القوانين التنظيمية أم في المجتمع أم في المؤسسات الموازية أم الدولة ؟

ربما للإجابة على هذا السؤال بالخصوص يلزمنا يوما بكامله من الوقت بحضور دكاترة متخصصين في القانون خصوصا من أجل تحليل المعطيات وقرائة المؤشرات العامة التي تخص كل جانب.

لكن سأحاول هنا التطرق لبعض النقط التي ربما هي مربط الفرس لمجموعة من التساؤلات.

فمواضيع الحراك لا تعدو ان تكون مواضيع مرتبطة بالتنظيم وهي محصورة في دائرة اهتمام المؤسسات الجهوية والمحلية ماعدا تلك التي لاتقدر على تنزيلها هذه المؤسسات مما يتطلب الامر تدخل مؤسسات وطنية في اطار التنظيم الدستوري وبالضبط الحكومة والبرلمان، هذا اذا ما عملنا على تفادي التأويل والإسقاط فيما يتداوله الرأي العام على اختلاف مستويات تفكيره.

 

وجهة نظر !

فاليوم بات ضروريا هندسة صناعة جديدة للسياسات العمومية التي تروم الرأسمال البشري والإقتصاد الثقافي في ارتباط واضح بالثروة المادية والثقافة الاقتصادية، ذلك لأن سؤال التحول والغاية من الإنفتاح السياسي وتوالي الاصلاحات الدستورية يقف اليوم عند الشق المغيب والمتعلق بعلاقات الثروة بشقيها (القسم المتعلق بالثروة المادية والقسم المتعلق بالثروة البشرية/الرأسمال اللامادي) بالسياسات العمومية واغناء فضاءات النقاش العمومي حولها، وتغيير منهجية التعاطي معها حكوميا وبرلمانيا ومدنيا وأكاديميا.

مما يتطلب تقوية التمثيل السياسي والتشاركي الجاد وربطه بالسياسات العمومية والخروج من التدبير التكنوقراطي كاحد الادوات الكلاسيكية للنظام السياسي والاداري الذي ينتج عنه تدافع مجتمعي يطرح الجواب عن المشاكل العمومية وربطها بالسياسات العمومية، وذلك بفتح النقاش في موضوع الثروة بشقيها والبحث عن وسائل الربط بينهما.

بالإضافة لمشاركة الجهاز الاداري الذي يعد له دور في صياغة السياسات مما يعكس طبيعة النظام السياسي بحيث يختلف من دولة لاخرى و يبين مدى تقدم دولة عن اخرى وتميز مستويات التفكير والتخطيط العمومي بين المجتمعات.

صراحة، أمنيتي اليوم كإبن الحسيمة المنحدر من منطقة بني عمارت/إقليم الحسيمة، إطلاق سراح المعتقلين أولا مها توافقنا أو اختلفنا معهم في بعض النقط التنظيمية وتطبيق القانون والمحاسبة، ثانيا محاسبة المتورطين في ملف منارة المتوسط، ودعوة أصحاب المال والأعمال المنحدرين من منطقة الريف الذين يستثمرون في الغالب بكل من طنجة ومكناس إلى التفكير والعزم في الإستثمار بالحسيمة.

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .