رغم بعض السلبيات التي تغذي الثقافة السياسية والتي يتوخى اصحابها الاستفادة من الريع والمزايا المختلفة، وهم راضون في السر على التوجهات المساومة للشرعية بهدف جر الدولة للتفاوض وتقديم التنازلات، وكأن ثمن الاستقرار عند هؤلاء يقابل بتدمر الحياة المجتمعية وجر البلاد للهاوية، الا ان الدولة واعية بصعوبة المرحلة ووجود فوضى في المسؤوليات بسبب غياب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما ان ابقاء التفاعل بهذه المقاربة هو اجهاز على المكتسبات ومبدأ دولة القانون الذي لم يتم تثبيته بشكل نهائي رغم مجهودات العهد الجديد الذي تميز بالمشاورات التي همت مختلف المحطات السياسية والدستورية منذ 1999 ومن اهمها المصالحة الوطنية.
وما يثار اليوم هو امكانية استنهاض مصالحة قاعدية بالموازاة مع استمرار استكمال تنزيل مشاريع الاصلاح لاسيما بالعالم القروي وان تستجيب لسياسات عمومية قروية، ومن جهة اخرى وبتبصر وحكمة وصرامة لابد من التصدي لكل مظاهر الفساد بالمساءلة والتدقيق في الانجازات والوظائف العمومية والتحقق من سلامة جميع المشاريع التنموية ومعاقبة المخلين والمتلاعبين بالمال العام حتى تتغير العقليات الادارية والسياسية الفاسدة.
مغرب الحراك وسؤال النخب
يبدو اليوم أن النخب قد ثبتت مكانها في مستويات مختلفة ادارية وسياسية واكاديمية في الدولة .. ولم تعد تحسن دورها الكامل ولم يعد يعنيها الدفاع عن الانتماء للهوية الوطنية ولا للمكتسبات الدستورية، وضعفت بذلك حلقات الارتباط الداخلي للنسق، بل نجد منها من يكرس انتماءه للمحيط ويؤيد التغدية الاسترجاعية السلبية التي اصبحت رافضة وغير متجاوبة مع المنجز الايجابي، بل تركز على جوانب القصور لتاجيج الوضع، بدلا من ان تلعب دور تجميع المطالب ولعب دور الوسيط في العلاقة بين المدخلات ومخرجات النسق التي تنتج عن البيئة او الوسط المجتمعي. هذه الوضعية للنخب ولاسيما الاكاديمية دليل على غياب منهج الاقناع والتعاطي و غياب اطراف التصور للمشترك الوطني وبقيت الدولة حاضرة لوحدها في الوقت الذي تخلت فيه النخب الحزبية بالخصوص عن الجدية في مخاطبة المواطنين.
مغرب الحراك ومخارج التعثر
يمكن ان تجمع مخارج التعثر في استمرار تنزيل المشاريع شريطة ان تكون هذه المشاريع مستوفية لكل الشروط المالية والزمنية وان تكون قابلة للانجاز وان يكون لها وقع على التنمية… ثم يتم الحسم في الكيفية وفي الاهداف التي تتوخاها هذه المشاريع في اطار ربط المسؤولية بالمحاسبة دون استثناء والقضاء على اي تدخل في المشاريع ماعدا الاطراف المسؤولة قانونيا ولها صلة مباشرة. ولا مجال للعودة الى الوراء في اعمال وبصرامة هذا المبدا وتطبيق القانون على الجميع بدلا من اسماعه للمواطنين دون احترامه من قبل المسؤولين، وتعزيز المرحلة باستنهاض ادوار المؤسسات وتقوية الرؤى الاكاديمية للحفاظ على الطروحات الموضوعية في النقاش العمومي المفتوح والمرتبط بازمة التعاطي مع القضايا الاجتماعية بالخصوص.. وكذلك خلق مفاهيم المحاسبة للابتعاد عن الممارسات التي تؤشر على الازمة بدافع تصفية الحسابات وطنيا واحيانا برغبة تصدير بعدها الدولي.
مغرب الحراك والخيارات الخاطئة
من المجازفة اشهار فكرة الانفصال او دفع الدولة الى المزيد من التازم دون محاسبة من يستحق المحاسبة فعلا، فقد ينتج عن ذلك عواقب لن تكون في صالح احد بل ستوقع الاثر السلبي على الكل، كما لا يمكن المجازفة بالمقاربة الامنية دون اعمال باقي المقاربات الاخرى التنموية بالخصوص واستئصال المشاكل في قالب منطقي جدي وممكن ومعقول، كما ان التظاهر السلمي وان كان حقا دستوريا الا ان التظاهر اكثر من اللازم يخرج عن غاياته واهدافه ويفقد أخلاقياته ومعناه ويتحول الى فوضى تخرج عن السيطرة بسبب تغيير مساره.
مغرب الحراك والادوار الحزبية الغائبة
لا حديث عن الديمقراطية في غياب دور الاحزاب ومنهجية تسييس مضبوطة، ولمقاربة الاحزاب المغربية بالديقمراطية نلامس تباعدا وتعارضا بينهما ولا مجال للحديث عن الاحزاب كمدارس سياسية ولا كمؤسسات دستورية تستنهض ادوارها في ارتباط بالجسم الانتخابي او الدفاع عن برنامج ضمن مسلسل الاصلاح السياسي الوطني، وعليه اصبح من باب الاولى تدخل المحكمة الدستورية لتصحيح وضعية الاحزاب ولاسيما الشق الانتخابي لازالة الوضعية غير الدستورية، واعادة الثقة لعلاقة الاحزاب بالمواطنين … وتصحيح منهجية التعاطي الحزبي للشأن العام وفصل القيادة السياسية عن المصلحة الخاصة واحوال التنافي لديها، وتثبيت دور الاحزاب في الدولة للترافع وطنيا وترابيا دون تآمر باسم الناخبين على المواطنين.
مغرب الحراك وتأسيس الرأي العام
من خلال موجة الاصلاحات وتمايز العهد الجديد بنظرة اصلاحية ومنهجية، فقد احس معه المواطنين بحرية التعبير والاحتجاج على كل اشكال الفساد مما ادى الى تأسيس الرأي العام الذي كان غائبا وأصبح له سلطة الضغط و التأثير في مجريات الاصلاح التي تسير في اتجاه ربط المسؤولية بالمحاسبة ورد الاعتبار لحقوق المواطن وتجديد رقعة المواطنة من خلال الحقوق والواجبات المتقابلة بين مؤسسات الدولة ومصالح المواطنين وان كان الفضل في هذا يعود لحراك بعض مناطق الريف.
مغرب الحراك وخصوصية الريف
للريف المغربي خصوصية على غرار باقي المناطق المغربية، ولحراكه دوافع واهداف وعوامل متداخلة، ولفك الالغاز المرتبطة بالحراك ولتعميق النظر في المشاكل وتشعبها وامتدادها .. فان الامر يتطلب رصد النخب الريفية المتجدرة والمنحدرة من منطقة الريف بالمفهوم والسياق القبلي، لاسيما تلك المرتبطة باكبر قبيلة مساحة في الريف المسماة “بني ورياغل”، والمتميزة عن باقي القبائل الاخرى نسبيا بمدها للوطن بعدد من الأطر في مستوياتها المختلفة، كما انها تجنبت زراعة القنب الهندي لاختلاف النظرة لديها وتشبعها بثقافة مغايرة ، وتعتبر حلقة وصل مهمة بنخبتها القادرة على التحكم في مجريات الامور ان هي ارادت ذلك بحكم الارتباط التاريخي واللغوي والمشترك الاجتماعي والثقافي اضافة الى مكانتها ضمن الدولة.
مغرب الحراك والخطوط الحمراء
كل اشكال التعبير المعمول بها في الدول الديمقراطية مقبولة وطنيا مادامت متضمنة في الدستور وتكفل للمواطن حق الاعمال دون ان تتعارض معه، وما لم تمس بالوحدة الترابية والثوابت الوطنية والخيار الديمقراطي والهوية المتعددة الروافد للامة القائمة على الارادة و الوعي باهمية الانتماء للوطن وتعزيز الانفتاح والتعايش بين الثقافات في كنف الوحدة المستهدفة بالتفتيت الذي يحمله النظام الدولي وابتلاعها بهندسة عالمية جديدة تتوخى تجزيء الدول الى اجزاء وفك قوة الارتباط بين مكونات الوطن الواحد . كما ان التنمية اصبحت خطا يميل للاحمرار تفرضها اصوات المواطنين بكل اشكال التعبير بحكم ان الدستور الزم السلطات بتعبئة كل الوسائل المتاحة لتحقيقها…
الأستاذ أحمد الدرداري
تعليقات الزوار ( 0 )