في البداية يطرح سؤال على الطبقة السياسية مفاده هل العقل السياسي المغربي اخطأ عند تنزيله لمشروعي الديمقراطية وحقوق الانسان ؟ وهل أغفل تثبيت تقنيات الصيانة الخاصة بالمشروعين التي تجعلهما يكملان ادوارهما ويواكبان التأطير المادي والفكري للمجتمع المغربي . أم اخطأت النخبة في فهمها لوظائفها واكتفت فقط بالتحفظ على المشترك وبقيت غير معنية بالاسهام الحقيقي والجدي في عملية التحديث والتطور في مقابل الحفاظ على المصالح الضيقة حتى تحولت بسبب أنانيتها الى موضوع للنقاش العمومي، بل أصبحت تؤيد الطرح الاصلاحي القادم من خارج اهتماماتها وبذلك توجه المحاسبة نحو المجهول ويطرح معه السؤال العريض من المسؤول عن التسوية السياسية لما يعيشه المغرب اليوم من ضغوطات ؟
ان الفكر المعاصر لم يتشكل بعد كفر سوي واضح الرؤية وهو ما يجعل القانون أحيان غير نافذ لاسيما في ظل ثقافة سلبية تحتاج الى امتصاص وتأطير وتعويضها ببرامج متكاملة البنية العمودية والافقية ، وكفيلة بالخروج من التسويق الذي يستجمع شحنات الاحتقان والذي يركز على أخطاء تراجع الدولة وشخصنة المسؤوليات والارتجالية في التدبير او التقصير الذي يخلق الجدال ويتطور الى احتجاج وصراع يصل الى مستوى تشويه صورة البلاد والمؤسسات والمسؤولين لاسيما مع انفتاح التشريع القانوني دون نقد واتساع هامش حرية التعبير بدون موضوعية ورفض الاعتراف والخضوع للقانون.
ان الاوضاع الاقليمية تسوق نفس التمثلات المجتمعية بحكم العامل الجغرافي والديني واللغوي والثقافي وتستغل عالم الاتصال الرقمي لتخطي الحدود ونقل الهموم وتسويقها باعتبار العالم الافتراضي يعد فضاء لتقاسم النضالات والتعبير الوافر حول الاوضاع المشتركة ويمكن من خلاله الصورة القاتمة والتأطير في ظل حرية مطلقة وغياب للمراقبة الوقائية ماعدا في مجالات ضيقة والتي تشكل خطرا مباشرا.
ان دور الجامعة الذي اناطها به القانون يكمن في بناء المعارف وتصدير الوعي والابداع نحو المحيط واستثمار الحرية الاكاديمية لبلورة مشاريع تنموية جادة ومد الحكومة بآخر الدراسات في مختلف المجالات، لكن يبدو بأنها تستورد من المحيط في جزء من أدوارها أفكار وقضايا جعلت صورتها باهتة في ظل غياب مقاربة حقيقية، حيث في الغالب تسيست وانحرفت الحرية الفكرية واتجهت نحو معارف السوق وهيمن منطق الربح على فلسفة تدبير الجامعة والانتاج المعرفي في تعارض مع الاهداف الحقيقية لها احيانا . الشيء الذي يفسره صمت فئة مطلعة بسبب حالة تردي وضعية الجامعة وهو ما يلقي بالمسؤولية على الدولة والطبقة السياسية بشكل أساسي .
ان الاصلاحات التي بدأها المغرب تعد اوراشا كبرى ومهمة وهي غير كافية لاقناع المواطن بأهميتها في غياب اوراش فكرية مصاحبة تربط بين الدولة والمواطن برابط سياسي وثقافي ينم عن جوهر ادارة الدولة لقضايا المواطنين التنموية العامة بمعادلة الحقوق والواجبات المتقابلة بينهما، حيث الرهان على الحقوق الفردية دون أداء الواجبات هو السبيل لشيوع الفوضى والانتقاد الذي يراد به الأخذ دون عطاء ، وبمنطق الفوضى نفسه، ومع اللامبالات لكثير من مظاهر الإهمال يزداد الوضع تأزما مما يسهل عملية الركوب على الأحداث من طرف جهات تستقوي باستغلال النضال بالاصطدام وبالفوضى لإظهار عيوب الحكم والتفاوض فيما بعد مع الدولة بعد التورط السياسي والحقوقي.
ان سيرورة التطور تحتاج الى تسوية سياسية تراعي مصلحة الوطن وتجنب البلاد الاصطدام وهو ما يتطلب معالجة الضعف في الأدوار المختلفة لمؤسسات الدولة والمجتمع والتوازن بين الجدية والتنمية دون اي فراغ في الأدوار والمهام .
كما ان القانون له منطق وأهداف ويحتاج الى عقل لكي لا يفهمه الحمقى، والوطن يحتاج الى رجالاته اناثا وذكورا يمسكون بحبال السلم والنماء ويخشون على وطن قل مثله الأوطان في ظل عالم واقليم يعرف تحولا بشكل سريع وسلبي، والعودة الى الكفاءات المواطنة مادامت الديمقراطية تتطلب شروطا وليست هي شرطا وحيدا كافيا للتدبير السليم لشؤون البلاد ، فتغيير العقليات الموجودة ضروري لاستكمال بناء المغرب النموذجي كما يبدو في عيون الكثير من الدول، ومشروعي الديمقراطية وحقوق الانسان ليسا مشروعين للصراع ولكنهما مشروعين للتسوية السياسية والتنموية.
بقلم الدكتور احمد الدرداري
تعليقات الزوار ( 0 )