Site icon Chamalpress | شمال بريس

المغرب والقضية الفلسطينية.. التزام ملكي راسخ في وجه التحولات الإقليمية

لطالما شكّلت القضية الفلسطينية محوراً ثابتاً في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، باعتبارها قضية مركزية تحظى بإجماع وطني واهتمام ملكي متواصل. فعلى امتداد العقود، عبّر المغرب في كل المحافل الإقليمية والدولية عن موقفه الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

ومنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة، تعزز هذا الموقف بثقل دبلوماسي أكبر، حيث أدرجت القضية الفلسطينية ضمن أولويات السياسة الخارجية المغربية، مع التأكيد المستمر على ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل وشامل، يضمن للفلسطينيين حق تقرير مصيرهم في إطار حل الدولتين.

منذ تسلمه رئاسة لجنة القدس عام 2000، وضع الملك محمد السادس هذه المسؤولية في صلب أجندته السياسية والإنسانية، مؤطّراً بذلك تدخلات المغرب في القضية الفلسطينية ضمن رؤية متوازنة تجمع بين المبادرات الدبلوماسية والدعم الميداني. وتُعد لجنة القدس، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، إحدى أبرز آليات الدفاع عن المدينة المقدسة وحقوق سكانها الفلسطينيين، وقد حرص العاهل المغربي على تفعيل دورها في مواجهة التهويد والتغيير الديمغرافي.

وقد تبنّى المغرب تحت قيادة الملك سلسلة من المبادرات لدعم المقدسيين، أبرزها تقديم مساعدات مالية وإنسانية مباشرة، وتمويل مشاريع ترميم المدارس والمستشفيات في القدس، إلى جانب الدعم المستمر لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، رغم ما تواجهه من ضغوط مالية وسياسية.

اللقب الذي يُطلق على الملك محمد السادس، “ملك القدس”، لم يكن محض توصيف رمزي، بل هو تجسيد حقيقي لانخراطه الشخصي في حماية المدينة ومكانتها الروحية والرمزية. وقد حرص المغرب على إيصال صوته في كبرى المنظمات الدولية، بدءًا من الأمم المتحدة، مرورًا بالاتحاد الإفريقي، وصولًا إلى منظمة التعاون الإسلامي، مؤكدًا في كل مرة أن القدس ليست فقط مسألة سياسية، بل قضية حضارية وإنسانية تتطلب موقفًا دوليًا حازمًا.

فشعار “القدس عاصمتنا” الذي يرفعه المغرب في المحافل الدولية، ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل يعكس قناعة استراتيجية مفادها أن أي حل لا يضمن وضع القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية سيكون منقوصًا وغير قابل للاستدامة.

وفي ظل سياق إقليمي ودولي متغير، ووسط تحولات جيوسياسية شديدة التعقيد، حافظ المغرب على توازن دبلوماسي دقيق مكّنه من الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مختلف الأطراف الدولية، دون المساس بموقفه المبدئي تجاه فلسطين.

فالمغرب لم يُغْرِهِ التغيير المتسارع في مواقف بعض الدول تجاه القضية الفلسطينية، بل ظل وفيًّا لرؤية ترى أن السلام العادل لا يمكن أن يقوم على التطبيع المجاني أو تجاهل الحقوق التاريخية لشعب بأكمله.

يمتد دعم المغرب للفلسطينيين إلى مجالات متعددة تشمل تقديم الخبرات في التعليم والصحة والاقتصاد، بل وحتى في مجالات الأمن وبناء المؤسسات. فقد استقبلت المملكة، على مر السنين، العشرات من الكوادر الفلسطينية للتدريب والتكوين، ضمن مقاربة تعتبر بناء الإنسان الفلسطيني جزءًا من معركة الاستقلال والتحرر.

هذا الدعم لا يقتصر على السلطة الفلسطينية فحسب، بل يشمل أيضاً المجتمع المدني الفلسطيني، من خلال شراكات مع مؤسسات مغربية تسعى لتعزيز صمود الفلسطينيين في الداخل.

الموقف المغربي بقيادة الملك محمد السادس يتجاوز منطق المواقف الظرفية، ليشكّل استراتيجية طويلة الأمد تقوم على الدفاع عن الشرعية الدولية، والتأكيد على أن السلام لا يمكن أن يُبنى على سياسة الأمر الواقع، أو محاولات فرض حلول مجحفة.

ومن خلال الجمع بين العمل الدبلوماسي والمبادرات الإنسانية، ترسل المملكة المغربية رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي: القضية الفلسطينية ليست ورقة تفاوض، بل مبدأ من مبادئ العدالة الدولية، ومصير شعب لا ينبغي أن يُختزل في أروقة السياسة أو ضغوط المصالح.

Exit mobile version