في وقت تزداد الجريمة ويزداد الاحتياج إلى الأمن والأمان، لجأ هيكل الخدمات الأمنية في دول العالم إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من هذه الأداة الحيوية في الرفع من فعالية عمل قوات الشرطة. لذلك فقد بادرت المديرية العامة للأمن الوطني بدورها إلى تبني العمل بهذه التكنولوجيا الحديثة لمواجهة مختلف التحديات الأمنية الداخلية والخارجية للمملكة.
لم يعد الذكاء الاصطناعي (IA) مجرد ابتكار يقتصر على المختبرات البحثية. فاليوم يفرض نفسه كأداة أساسية لتعزيز الأمن العام. وفي ظل هذه الثورة التكنولوجية، تقوم المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) بإدماج الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة والتدخل الخاصة بها.
فقد كشف المراقب العام يونس كربيد، رئيس قسم في مديرية نظام المعلومات والاتصال (DSIC) في المديرية العامة للأمن الوطني، كيف تعيد هذه التطورات تعريف عمل قوات الأمن وتحسن فعالية التدخلات على الميدان. وتتمثل المهمة الرئيسية لهذا القسم في تطوير حلول تكنولوجية تتناسب مع احتياجات قوات الأمن، مع الحفاظ على مراقبة مستمرة للتطورات الجديدة في هذا المجال. وأشار كربيد إلى أن “التكنولوجيا تتطور بسرعة. واليوم، مع ازدهار البيانات الضخمة، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وزيادة قدرات الحوسبة، من الضروري لأي خدمة أمنية أن تتبنى هذه الابتكارات لتحسين عملياتها”.
وباعتباره قطبًا حقيقيًا للابتكار، يستفيد فريق يونس كربيد من التقنيات مفتوحة المصدر لتصميم حلول مخصصة تتناسب مع الاحتياجات العملية لخدمات الميدان. الهدف هو تسهيل عمل قوات الأمن مع تحسين جودة الخدمات المقدمة للسكان.
ويعتمد تبني النهج المرن، الذي يقوم على تعديل الحلول بناءً على ملاحظات المستخدمين، في صلب عملية التطوير التكنولوجي داخل المديرية العامة للأمن الوطني؛ “نعمل بشكل وثيق مع الخدمات العملياتية لفهم الاحتياجات الحقيقية على الميدان”. “بعد مرحلة الدراسة والاختبار، نقوم بتعديل الحلول بناءً على الملاحظات للاستجابة بفعالية للتحديات الأمنية العامة”، يوضح يونس كربيد.
وينطبق ذلك على مجالات متنوعة مثل الهوية الرقمية، وأمن أنظمة المعلومات، وإدارة المنافذ الحدودية. تتيح مرونة هذا النهج تصميم أدوات أكثر فعالية وتكيفًا مع التطورات التكنولوجية والمجتمعية.
- أداة لرفع فعالية الشرطة
يمثل إدخال الذكاء الاصطناعي في خدمات المديرية العامة للأمن الوطني منعطفًا حاسمًا في تحسين فعالية قوات الأمن. “الذكاء الاصطناعي ليس جديدًا، لكنه تطور بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة مع التعلم العميق وأدوات مثل ChatGPT. لقد اعتمدنا استراتيجية إدماج الذكاء الاصطناعي وفقًا للاحتياجات العملياتية، لا سيما في أتمتة المهام المتكررة”، يوضح يونس كربيد.
وتعد الرؤية الحاسوبية، التي تتيح لأنظمة الحاسوب جمع وتحليل البيانات من أجهزة الاستشعار لفهم البيئة، من مجالات التطبيق الواعدة. وهذه التكنولوجيا تقدم مساعدة قيمة لقوات الأمن، حيث تسهل اتخاذ القرار أثناء التدخلات.
ومن بين الإنجازات البارزة لفريق يونس كربيد توجد عدة تطبيقات تُستخدم الآن داخل غرف القيادة والتنسيق. على سبيل المثال، يُساعد تطبيق عدّ المركبات في إدارة حركة المرور بشكل أكثر فعالية خلال أوقات الذروة. “يساعدنا ذلك على تحسين توزيع الموارد البشرية بناءً على كثافة حركة المرور”، يوضح كربيد.
وفي السياق نفسه، يشرح المراقب العام أن نظام SMART- LPR ” يمثل أيضًا حلاً يسمح بقراءة لوحات السيارات آليًا للمركبات التي تسير على الطرق العامة، ومطابقة هذه القراءات مع قواعد بيانات المركبات المبلغ عنها على أنها مفقودة أو مسروقة، أو تلك التي يُبحث عن مالكها لسبب معين.”
ويتم حالياً نشر هذا النظام في ثلاث مدن في المغرب، وهي: الدار البيضاء، أكادير وطنجة. ووفقًا ليونس كربيد، فقد أثبت نظام SMART-LPR فعاليته وفائدته، حيث تمكنت القوات من اعتراض عدة مركبات واعتقال أشخاص؛ “من خلال تحليل تدفقات المركبات، يتم إطلاق إنذار في حال اكتشاف مركبة مشبوهة، مما يؤدي إلى بدء إجراءات الاعتراض والاعتقال.”
ويرى يونس كربيد في الذكاء الاصطناعي رافعة لمستقبل الشرطة؛ “مع التقنيات الذكية، نتجه نحو شرطة ذكية، قادرة على أتمتة المراقبة وتحليل البيانات المعقدة لاتخاذ قرارات بشكل أسرع وأكثر فعالية.”
ولقد أثبتت الأنظمة التي طورتها المديرية العامة للأمن الوطني بالفعل فائدتها على أرض الواقع، مما يتيح لقوات الأمن أن تكون أكثر استجابة وأن تستهدف تدخلاتها بشكل أفضل. وهكذا، تضمن المديرية العامة للأمن الوطني البقاء في طليعة الفعالية الأمنية، من أجل رفاهية المواطنين وحماية الممتلكات والأشخاص.
التطبيقات الحالية للذكاء الاصطناعي في الشرطة
- تحليل البيانات الكبيرة
تتطلب عمليات التحقيق والبحث عن المشتبه فيهم تحليل كميات هائلة من البيانات. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر. يتم استخدام تقنيات مثل التعلم الآلي لتحليل البيانات الجنائية، والتي يمكن أن تكشف عن أنماط الجريمة، وتساعد في التعرف على الأماكن ذات الخطورة العالية.
- التعرف على الوجه
تعتبر تقنيات التعرف على الوجه من أكثر التطبيقات شيوعًا في مجال الأمن. تستخدمها العديد من الدول لتحديد المشتبه فيهم أو الأشخاص المفقودين. يتم ذلك من خلال مقارنة الصور الملتقطة بكاميرات المراقبة مع قواعد البيانات المتاحة، مما يسهل عملية القبض على المجرمين.
- المراقبة الذكية
تستخدم أنظمة المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في العديد من المدن الكبرى لرصد الأنشطة غير المشروعة. يمكن لهذه الأنظمة تحليل مقاطع الفيديو في الوقت الحقيقي للكشف عن السلوكيات المشبوهة أو الحالات الطارئة، مما يساعد قوات الشرطة في اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة.
- الروبوتات والطائرات بدون طيار
تستخدم بعض قوات الشرطة الروبوتات والطائرات بدون طيار في العمليات الأمنية، مما يتيح لهم جمع البيانات والمعلومات من المناطق الصعبة أو الخطرة. هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعد في تقليل المخاطر على حياة الضباط وتوفير معلومات دقيقة في الوقت الحقيقي.
- التحديات والاعتبارات الأخلاقية
رغم الفوائد العديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الشرطة، هناك أيضًا تحديات واعتبارات أخلاقية يجب مراعاتها:
- الخصوصية
تثير تقنيات مثل التعرف على الوجه والمراقبة الذكية مخاوف بشأن انتهاك الخصوصية. يجب على الجهات الأمنية مراعاة حقوق المواطنين وضمان أن تكون هذه التقنيات مستخدمة بشكل قانوني وأخلاقي.
- الانحياز
يمكن أن تتأثر أنظمة الذكاء الاصطناعي بالتحيزات الموجودة في البيانات التي يتم تدريبها عليها. هذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير عادلة أو تمييزية. يجب على المؤسسات الأمنية التأكد من أن الأنظمة التي يستخدمونها تتسم بالعدالة والدقة.
- الاعتماد على التكنولوجيا
يمكن أن يؤدي الاعتماد الزائد على التكنولوجيا إلى تقليل مهارات الضباط البشرية. يجب أن تظل مهارات التحليل والقيادة والتفكير النقدي جزءًا من العمل الشرطي.
دول تستعين بالذكاء الاصطناعي في أمنها الداخلي
- بريطانيا
تمضي الشرطة البريطانية قدمًا في خطوات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لمكافحة الجريمة في شوارع بريطانيا بشكل استباقي. بحسب ما نشرته “ديلي ميل” البريطانية، تستخدم الشرطة البريطانية تقنيات ذكاء اصطناعي من بينها كاميرات التعرف على الوجه التي تراقب الوجوه أثناء التسوق إلى جانب الخوارزميات، التي تتنبأ بالجرائم قبل حدوثها، بل إن هناك المزيد من الأدوات، التي تحاكي الروايات الخيالية، في الطريق للاستخدام الفعلي بالمستقبل.
يتم حاليًا استخدام سلسلة من الكاميرات لتسجيل وجوه أي شخص يمر عبر منطقة محددة. وتساعد تقنيات التعرف المباشر على الوجوه، كما يوحي الاسم، رجال الشرطة في التعرف على الأفراد المطلوبين بين حشد كبير في الوقت الفعلي، إذ تقارن خوارزمية وجوه أولئك الذين يسيرون أمام الكاميرا بـ “قائمة مراقبة” للمجرمين المطلوبين ويتم إصدار تنبيه إذا اكتشف الذكاء الاصطناعي تطابقًا.
وذكرت وزارة الداخلية البريطانية أن عمليات المراقبة واسعة النطاق مبررة بنتائجها، فعلى سبيل المثال، تم التمكن من ضبط أحد المجرمين المطلوبين وإرساله مباشرة إلى السجن بعد أن رصدته كاميرات التعرف المباشر على الوجوه في تتويج الملك تشارلز.
وقال متحدث باسم مجلس رؤساء الشرطة الوطنية البريطانية: “يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا لأفراد الأمن لاختبار أفكار جديدة ومبدعة بما يساعد في البحث عن حلول مبتكرة للمساعدة في تعزيز الإنتاجية وأن تكون الشرطة أكثر فعالية في معالجة الجريمة”.
- أمريكا
في أمريكا، قال وزير الأمن الداخلي الأمريكي، أليهاندرو مايوركس، إن الوزارة تعمل على تجربة تقنيات ذكاء اصطناعي لتدريب أفراد الشرطة الذين يجرون مقابلات مع طالبي اللجوء إلى الولايات المتحدة.
وقال مايوركس في لقاء مع الصحافة إن وزارة الأمن الداخلي تقوم في هذا المشروع التجريبي بتدريب الآلات على التصرف مثل اللاجئين، حتى يتمكن أفراد الشرطة من التدرب على إجراء مقابلات معهم.
وأضاف “نظرا للصدمة التي مروا بها، يحجم طالبو اللجوء عن التحدث عن تلك الصدمة. لذا نقوم بتعليم الآلة أن تكون متحفظة أيضا”، وأن تتبنى “صفات” أخرى لطالبي اللجوء.
وقالت الوزارة إنها تخطط لتطوير تطبيق تفاعلي من أجل استكمال تدريبها لمسؤولي الهجرة، بالاعتماد على ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يقدم محتوى جديدا استنادا إلى بيانات سابقة.
وأكدت أن إدارة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية، على وجه الخصوص، وهي إدارة تابعة لوزارة الأمن الداخلي، ستعمل على بناء تطبيق للذكاء الاصطناعي يصمم موادا تدريبية لاحتياجات أفراد الشرطة ويعدهم لاتخاذ قرارات أكثر دقة.
وأضافت الوزارة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتخذ قرارات من نفسها في ما يتعلق بالهجرة، وقال مايوركس إن هذه التقنيات ستكون لديها القدرة على تحديد الظروف الخاصة بكل بلد وغيرها من المعلومات التي من شأنها أن تساعد سير العمل.
وبهذا المشروع التجريبي وعدة تجارب في هذا المجال، تسعى الحكومة لخفض التكاليف وتحسين الأداء من خلال الذكاء الاصطناعي، وخاصة بعد الإطلاق الكبير لمنصة (تشات جي.بي.تي) في عام 2022.
- الإمارات
أعلنت القيادة العامة لشرطة دبي دعمها 29 عملية إدارية على مستوى جميع القطاعات الشرطية عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي ما ساهم في اختزال الوقت والجهد على الصعيدين المهني للموظفين وتقديم الخدمات للمتعاملين بسرعة وبجودة أكبر إلى جانب تعزيز منظومة الأمن والأمان في إمارة دبي.
وتعكف شرطة دبي على تطوير آلية “التخطيط الذكي لحوادث السير البسيطة” عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى جانب تطبيق منظومة الذكاء الاصطناعي في “السجل التاريخي للمركبة”.. كما أنه بدأ استخدام النسخة الحديثة من تطبيق شرطة دبي الذكي المتوفر على أنظمة هواتف أيفون IOS” ” و”أندرويد” و”هواوي” والتي تسهل تجربة المتعامل وحصوله على الخدمات بطريقة ذكية وبكل سهولة ويسر ودون الحاجة إلى مراجعة مراكز الشرطة أو مراكز إسعاد المتعاملين.
ووصل عدد محملي تطبيق شرطة دبي على الهواتف النقالة إلى ما يقارب 7.9 ملايين بينها 5 ملايين تحميل عبر الهواتف المُشغلة لأنظمة أندرويد، و2.4 مليون تحميل عبر أنظمة الأيفون ” IOS”، و570 ألف تحميل عبر الهواتف التي تستخدم أنظمة “هواوي”.. كما أن شرطة دبي بالتعاون مع شركائها في الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية، والنيابة العامة في دبي ومحاكم دبي، تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي، تقنية “البلوك تشين”، في معاملات ” شهادة فقدان جواز السفر”، وبلغ عدد الشهادات الصادر من خلال هذه التقنية منذ العام 2021، 66 ألفاً و413 شهادة.
إلى ذلك فقد تم أيضاً تطبيق منظومة الذكاء الاصطناعي بمراكز الشرطة الذكية “SPS” التي تحتوي على خدمات متعددة للمتعاملين، والتي استقبلت منذ بداية العام الجاري 2024، 127 ألفاً و515 زائراً، وخلال العام الماضي، 507 آلاف و752 زائراً.
- باكستان
طورت الشرطة في إقليم البنجاب بوسط باكستان نظاما إلكترونيا للتعرف على الوجه لنحو مليوني شخص لديهم سجلات إجرامية، في استخدام جديد للذكاء الاصطناعي من أجل الحد من الجرائم.
وقال أحد رجال الشرطة إن التكنولوجيا سوف تساعد المحققين في الإقليم على مطابقة أي صورة يتم الحصول عليها من موقع الجريمة بمليوني وجه لمشتبه بهم في قاعدة البيانات الخاصة بالمجرمين. وأضاف رئيس وحدة تكنولوجيا المعلومات بالشرطة أن استخدام الذكاء الاصطناعي سوف يحد من عبء التحقيقات بالنسبة لرجال الشرطة.
وسوف تعتمد الشرطة على الصورة التي تم التقاطها من كاميرات المراقبة من موقع الجريمة، التي تم تركيبها في جميع المدن الكبرى في أنحاء باكستان، ضمن مشروع قامت الصين بتمويله وتنفيذه.
ويشار إلى أن هذه أول مرة تستخدم فيها الشرطة التكنولوجيا لإجراء التحقيقات في باكستان.
إعداد: سهيلة التاور