تحية بوغطاطية للجميع،
المرء منا مهما كان بارعا في الكذب والتدليس على بعض الناس ولبعض الوقت، إلا أنه لن يستطيع أبدا الكذب على كل الناس والكذب طوال الوقت… ليس فقط لأن الحقيقة هي التي تنتصر دائما في آخر المطاف، ولكن لأن التاريخ لا يرحم… فمن كان سجل ماضيه وحاضره أيضا مثقلا بالسواد والقذارة، لن يستطيع اليوم وهو في أرذل العمر أن يحوله بمناورات بائسة وفاشلة إلى كتاب طاهر يحاول من خلاله أن يقدم نفسه كملاك وإنسان مظلوم.
محمد زيان ومن على شاكلته الذين يحاولون احتراف اللعب على الحبلين والذين أكد التاريخ أنهم لا يدينون بالولاء إلا لمصالحهم الشخصية، أولا وأخيرا، هم أشخاص يسعون دائما إلى الجمع بين شيئين متناقضين: حلاوة السلطة وشرف المعارضة.
“بوغطاط المغربي” وهو يتابع الاستغلال البائس لصورة محمد زيان أثناء إحضاره لمحكمة الاستئناف بالرباط، من طرف عائلته وعصابة “الطوابرية”، ذلك الاستغلال الذي لا يعدو أن يكون مناورة فاشلة ومفضوحة، الغرض منها محاولة الضغط على الدولة عبر استجداء تعاطف الرأي العام، ليتمكن زيان من الاستفادة من عفو ملكي دون أن يطلبه شخصيا وبشكل رسمي من الملك كما هو منصوص عليه في المساطر القانونية الخاصة بطلب العفو، وحتى يتسنى له بعد ذلك بأن يتبجح بأنه ليس هو من طلب العفو، ويلعب بذلك دور المعارض الصنديد والمظلوم الصامد… بوغطاط وهو يتابع هذه المسرحية المثيرة للشفقة، استحضر مناورة مشابهة قام بها زيان في الماضي، كان لها نفس الهدف: محاولة صناعة صورة زائفة لمناضل من ورق…
تلك المناورة التي حاول من خلالها زيان في فبراير 1996 أن يصور للرأي العام أنه مناضل شريف يصطف إلى جانب الشعب رغم كونه وزيرا، لدرجة الزهد في السلطة، بل لدرجة إعلان الاستقالة في وجه الحسن الثاني وما أدراك ما الحسن الثاني وعلى الهواء مباشرة في القناة الثانية وليس حتى عبر القنوات الرسمية… إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما.
الحقيقة غير ذلك تماما لأنه ببساطة التاريخ لا يرحم… فمحمد زيان هو من اعترف بذلك بعظمة لسانه في حوار يعود تاريخه إلى 4 نونبر 2003 أجراه مع جريدة “لوماتان”. ذلك الحوار الذي أقر فيه صراحة وعلانية أنه (خلافا لما يحاول المغرضون الترويج له اليوم وعلى رأسهم زيان نفسه) لم يقم أبدا بتقديم الاستقالة عندما كان وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا بحقوق الإنسان (وليس وزيرا لحقوق الإنسان) وإنما المغفور له الملك الحسن الثاني هو من قام بإقالته… كانت في الواقع إقالة بصيغة صادمة تحمل دلالات عميقة مفادها أن زيان أصبح مُضرّا بمصلحة الوطن.
ففي جوابه على سؤال للجريدة حول واقعة استقالته المزعومة، قال محمد زيان أنه عندما حل ضيفا على “القناة الثانية” للحديث عما عُرف آنذاك بـ “حملة التطهير”، لم يكن أحد يعلم ماذا كان ينوي أن يصرح به، وأنه عبّر أنه ضد سياسة التطهير التي أعلنت عنها الحكومة التي كان عضوا فيها وأنه لن يتنازل عن موقفه، مهددا بشكل غير مباشر بالاستقالة، مع تأكيده على أنه لم يقم أبدا بتقديم استقالته… ذلك التهديد الذي لم يكن في الواقع بسبب معارضته المزعومة لحملة التطهير، بل لأسباب أخرى تتعلق بالمصالح الشخصية لزيان التي مُسّت بسبب تلك الحملة، سيأتي “بوغطاط المغربي” على ذكرها في مقال لاحق.
وعودة إلى جواب زيان على سؤال الجريدة، أكد قائلا: “أنا لم أستقيل بالطبع، لكنني بعد مغادرة القناة الثانية ذهبت إلى مكتبي وكتبت طلبا إلى الملك الحسن الثاني طرحت فيه السؤال التالي: أنا على خلاف مع هذه الحكومة. وستشرفونني يا صاحب الجلالة إذا أبقيتم عليّ كوزير لحقوق الإنسان. وهو ما سيمنحني قوة معنوية كبيرة لإقناع الحكومة بالتراجع عن خطئها. وإذا رأى جلالة الملك أنني يمكن أن أكون له مفيدا في مكان آخر غير وزارة حقوق الإنسان، فإنني أظل تحت تصرف جلالة الملك… فرد الراحل الحسن الثاني بذكائه المميز: أعتقد أن المكان المثالي الذي يمكنك أن تخدم فيه بلدك على أفضل وجه، يا زيان، هو أن تجلس في منزلك”.
هذه هي الحقيقة يا أعزائي… الحقيقة أن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قال لزيان بصريح العبارة: “اذهب لحال سبيلك إلى منزلك فلم تعد صالحا لخدمة الوطن، أو بالأحرى لم تعد مفيدا للدولة وللحكومة”…. وهذا يبدد ويفند كل المزاعم الكاذبة التي كان يروجها زيان وعصابته بكونه أول وزير يقدم استقالته في وجه الحسن الثاني وبأنه أول وزير يقول لا لسياسة الحكومة (في إشارة إلى حملة التطهير)… تلك الحملة التي عارضها زيان ليس لأنها كانت سياسة ظالمة كما كان يحاول أن يصور للرأي العام، بل عارضها لأنها مَسّت مصالحه الشخصية التي كانت تجمعه ببارونات المخدارت الذين كان يتبنى ملفاتهم، والذين كانوا الهدف الرئيسي لحملة التطهير آنذاك.
ولأن زيان متمرس في اللعب على الحبلين ويهوى الجمع بين حلاوة السلطة وشرف المعارضة، عمد آنذاك إلى مناورته التهديدية الشهيرة التي كان ملعبها بلاطو القناة الثانية والتي كان يريد أن يقدم نفسه من خلالها “وزيرا معارضا” و”مناضلا شريفا” الذي يصطف مع الشعب… لكنها كانت مناورة فاشلة انتهت فصولها بجواب مُفحِم للحسن الثاني حيث قال جلالته لزيان: ” أعتقد أن المكان المثالي الذي يمكنك أن تخدم فيه بلدك على أفضل وجه، يا زيان، هو أن تجلس في منزلك”.
بنفس المنطق الخبيث وعلى خطى نفس المناورة البائسة السابقة، يحاول محمد زيان اليوم أن يدفع في اتجاه استصدار عفو ملكي دون أن يطلبه بخط يده وبشكل مباشر ورسمي من الملك… معتقدا أنه سينجح في ذلك، ومعتقدا أنه بمناوراته هذه سينجح في تطهير سجله الأسود القذر الحافل بمجازر ضد حقوق الإنسان ويصور نفسه للرأي العام مناضلا أو معارضا.
لا يا عزيزي لا… لن ينسى أحد أن زيان هو من أدخل المناضل النقابي نوبير الأموي إلى السجن.. لن ينسى أحد أن زيان هو من كان يقف وراء تجريد السرفاتي من جنسيته المغربية ليتم نفيه إلى فرنسا وأنه هو من قال في تجمع خطابي أنه يحتقر أمثال السرفاتي ويتغوط عليهم.
لن ينسى أحد أن زيان هو من عرقل ملف حقوق ضحايا “سجن تازمامارت” مخاطبا إياهم: كان على على الحسن الثاني أن يهدم السجن فوق رؤوسكم وأنتم أحياء بداخله وأنه كان ضد تعويضهم.. لن ينسى أحد أن زيان كان أول “مسؤول سياسي” يعتدي وأمام الملأ على أحد نشطاء حركة 20 فبراير في الناظور…
ولائحة الخروقات القانونية والمجازر الحقوقية لزيان طويلة وعريضة، سيعود “بوغطاط المغربي” على استئناف تذكير الرأي العام بها، في إطار “سلسلة زيانيات” التي كان قد خصصها للسجل الأسود لمحمد زيان.