بدأ منتخبون «كبار» في الأقاليم التي ضربها الزلزال المدمر يتحسسون رؤوسهم، خوفا من يوم الحساب الذي بات قريبا، خصوصا بعد تسرب معلومات، تفيد أن المفتشية العامة للإدارة الترابية تستعد، بتعليمات من وزير الداخلية، لفتح ملفات الدعم المالي بالملايير، الذي خصصته من أجل تنمية المدن والجماعات في العالم القروي.
وأبانت فاجعة الزلزال، الذي ضرب أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات وأزيلال، عن مدى التهميش والهشاشة اللذين يعانيهما «المغرب العميق»، وعن حجم الفوارق المجالية في التنمية بين المدينة والبادية، وبين المناطق والجهات، وغياب البنيات التحتية من الطرق والصحة والتعليم ومصادر العيش الكريم، وهو ما سيعجل بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد المستشري في المؤسسات العمومية، والمجالس الترابية.
ويكفي الرجوع إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات، للوقوف على حجم زلزال من نوع آخر، يتمثل في زلزال الفساد الذي يعيق التنمية ويخربها ويفرغ الجماعات الترابية من دورها التنموي النبيل، ما جعل البادية المغربية تعيش في الزمن الضائع والمنسي بسبب بعض الفاعلين السياسيين الفاسدين، الذين جعلوا من السياسة تجارة مربحة للاغتناء على حساب المال العام والمهمشين والفقراء في المدينة والبادية على السواء.
وحان الوقت لعقلنة السياسة الرسمية وفق مقاربة ديمقراطية لإعادة الاعتبار للمواطن وتنميته في المدينة والبادية، وردم الفوارق المجالية والهشاشة والنهوض بالمرافق العمومية التي تشكل المرتكزات الأساسية لبناء الدولة الحديثة، وتجعل المواطن في صلب العملية التنموية، في سياق دولي مأزوم يعيد الاعتبار للدولة الراعية التي تحد من جشع الرأسمال وتطالبه بالتزاماته الاجتماعية.
وهذا يفترض من الدولة، أن تكون حامية للحقوق والواجبات ومنفتحة على المواطن لتحقيق التنمية بمضمون ديمقراطي وتواصلي وتشاركي، للتغلب على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وبلورة الحلول التي ترضي الجميع، وفق مقاربة الإنصات والإنصاف لمحاربة الفقر والهشاشة في المدينة والبادية وإحداث مجال قروي يتيح الاندماج الاجتماعي والعيش الكريم لسكان المناطق الجبلية والحضرية على السواء، بواسطة مسؤولين ومنتخبين «عندهم الكبدة» على البلاد، وليس على جيوبهم المنتفخة.
الدولة بمختلف مؤسساتها مطالبة اليوم، بتطوير إرادة سياسية للمساهمة في بناء ثقافة جديدة، تنبني على الشفافية والنزاهة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد والاجتهاد لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الغلاء ومخلفات الكوارث الطبيعية، لتحقيق التنمية وضمان الحماية الاجتماعية للفئات الهشة والفقيرة في سياق وطني ودولي، أصبح فيه المواطن المغربي منهكا بتبعات «كورونا» والغلاء ومخلفات الزلزال الكارثية.