تتشكل اللغة من مجموع المتون و الأصول، والألفاظ و الدلالات التي تجر وراءها إرثا تاريخيا و ثقافيا جامعا، فاللغة هي الذاكرة التي يتحدد من خلالها وعينا الجماعي و نمط تفكيرنا، و بالتالي نظرتنا و تصورنا للعالم، و إن تكلس اللغة و عدم قدرتها على التطور يحكم عليها بالجمود و الموت كما حصل مع اللغة اللاتينية مثلا.
إلى حدود القرن التاسع عشر كانت اللغة العربية تعيش أزمة حقيقية و تقهقرا حادا هدد وجودها، هذه الأزمة التي يمكن إيعازها إلى أسباب متعددة، أهمها في اعتقادي ما يمكن وصفه بانحصار العقل العربي في حقبة ما بين عصر البعث و المعلقات و بين عصر الأندلس حيث كان العرب يعيشون عصرهم الذهبي، و على أطلال الزمن الجميل بات الإنتاج العربي في خضم عملية مستمرة لمحاكاة الماضي، حيث لم يكن ممكنا تجاوز القوالب النمطية و الدلالات اللغوية القديمة.
بعد هذه المرحلة كان لابد من صحوة فكرية لإنتشال اللغة من برزخها، فكان الإحتكاك مع الغرب و التعرف عليه بمثابة لحظة لإنبعاث النهضة الفكرية و الأدبية العربية في مصر و لبنان اواسط القرن التاسع عشر، و هنا حري بالإشارة إلى التحول الكبير الذي عرفته مصر بعد الحملة الفرنسية لبونابرت و تربع محمد علي باشا على عرش مصر، حصل تطورات و تحولات هامة كان أهمها خروج محمد علي باشا من عباءة الدولة العثمانية و الإرتماء في أحضان الغرب، حيث قام على بإجراءات كإنشاء المطبعات و تشجيع الترجمة و البعثات الدراسية و إقامت دور الصحافة و أشياء أخرى كان لها التأثير الكبير بعد ذلك، و مع صعود جيل جديد من المفكرين بدأت تظهر أشكال و أصناف جديدة من الأدب كالرواية و القصة القصيرة و المسرحية ثم بعد ذلك ظهور الشعر الحر الذي كان ثورة بكل المقاييس حيث بات اللغة المستعملة أكثر حرية و واقعية.
نمط التفكير الجماعي الذي أصبح أكثر انفتاحا و إبداعا.
أعتقد أن هناك أسباب متعددة وراء ارتبط العقل العربي بتراثه و ماضيه بهذا الشكل المغالى فيه، و ربما كان من بين أهمها البعد الديني الذي لطالما حثنا على اتباع سنن الأولين و نهج السالفين كما يقول العروي، إن اللغة هي وعاء التفكير و أحد أدواته الأساسية، فبالتالي كلما كانت اللغة فسيحة و رحبة كلما اتسع مجال التفكير و الإبداع، و قد كان من أهم أسباب قصور العقل العربي قصور لغته التي مازالت عاجزة عن تخطي حدودها الزمنية و الجغرافية !!!!