Site icon Chamalpress | شمال بريس

التقدم الإقتصادي والديبلوماسي لملف الصحراء المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس

تعتبر قضية الصحراء المغربية القضية الأولى وطنيا، إذ أن كل مغربي لا يجادل في مغربية الصحراء فهي تعتبر من المسلمات ويدافع عنها دون تعب أو كلل، ونظرا للعدوان الخارجي على وحدتنا الترابية، تم اختلاق نزاع هدفه المساس بها، وبما أن المغرب عضو ملتزم في منظمة الأمم المتحدة والتزاما منه بمبادئ ومقاصد ميثاق سان فرانسيسكو المحدث لمنظمة الأمم المتحدة، لجأ إلى هذه المنظمة الدولية لحل ملف الصحراء المغربية، وبالتالي فالسؤال المطروح: إلى أي حد ساهم التقدم الإقتصادي والديبلوماسي في حل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية ؟

للإجابة عن هذا السؤال فقد اعتمدنا التقسيم التالي:

المبحث الأول :الصحراء المغربية بين التطورات التاريخية ومطالب البوليساريو الواهية

بمجرد حصول المغرب على الإستقلال بتاريخ 18 نونبر 1956 بفضل الجهود المبذولة من طرف العرش والشعب في إطار التلاحم القوي، بادر المغرب إلى استكمال استقلاله بإسترجاع أراضيه، إذ أنه سنة 1958 استرجع “طرفاية”، وفي سنة 1969 استرجع “سيدي إفني” ،وبتاريخ 6 نونبر 1975 قام بتنظيم المسيرة الخضراء التي تعتبر من نتاج عبقرية جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ،وتم طرد الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية بموجب اتفاق مدريد سنة 1975، وبتاريخ 14 غشت 1979 استرجع المغرب “وادي الذهب”.

يعتبر مبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها” من المبادئ التي تصونها منظمة الأمم المتحدة بحيث تم إصدار القرار الأممي 1514 سنة 1960 الذي ينص على هذا المبدأ في إطار محاربة الاستعمار، إلا أن جبهة البوليساريو تشبتت بهذا المبدأ ووضعته ذريعة لتهاجم المغرب وهو سبب غير واقعي لأنه بالرجوع إلى نفس القرار في مادته السادسة يؤكد أن كل إجراء هدفه المس بجزء من سيادة وتراب الدولة يعتبر منافيا لمبادئ منظمة الأمم المتحدة، بل أكثر من ذلك بالرجوع إلى القرار الأممي 2625 الصادر عن الجمعية العامة بالأمم المتحدة سنة 1970،نجده يشرح هذا المبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها” بالتفصيل ويعتبره مقيدا في ظل احترام الوحدة السياسية والترابية للدولة، وهكذا يتضح لنا أن مطالب جبهة البوليسايو مجرد مطالب واهية لا أساس لها من الصحة، لا تستند إلى نص قانوني.

وبالرجوع إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 1975، بخصوص طلب المغرب سنة 1974 منها إصدار رأي استشاري بخصوص الصحراء، فقد أكدت أن هناك روابط تاريخية وقانونية بين المغرب وسكان الأقاليم الصحراوية، وبالتالي هذا يوضح لنا جليا أن الصحراء مغربية وأن مطالب البوليساريو مطالب كيدية هدفها المساس بأمن واستقرار المملكة المغربية .

إن نشأة البوليساريو ساهمت فيه العديد من العوامل أولها الحرب الباردة، فبفعل هذه الأخيرة كانت هناك حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963،وتمت نشأة البوليساريو سنة 1973،وقبولها بمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1976،وخروج المغرب منها سنة 1984،وكما قلنا سابقا أن الحرب الباردة كان لها تأثير على هذا النزاع المفتعل، فبمجرد انتهاءها سنة 1991،تم الإتفاق على وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، وتم تعيين بعثة المينورسو لحفظ السلام بالمنطقة ومراقبة مدى احترام هذا الإتفاق.

المبحث الثاني: التقدم الإقتصادي والديبلوماسي والدعم الدولي لملف الصحراء المغربية :تفعيل للحكم الذاتي.

منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، وتبنيه المفهوم الجديد للسلطة كان مؤمنا منذ البداية أن حل هذا النزاع المفتعل لا تكفيه المبادرات السياسية وإنما أيضا المبادرات الاقتصادية، إذ تم إطلاق سلسلة من المشاريع الملكية الكبرى في الأقاليم الصحراوية المغربية،آخرها حسب ما أكده جلالة الملك في خطاب المسيرة الخضراء السنة الماضية من خلال إطلاق ورش جديد من الإصلاحات والمشاريع (ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيلعب دور محوري مثلما لعبه ميناء طنجة المتوسطي، تحليلة مياه البحر، الصيد البحري، مخطط المغرب الأزرق أي السياحة، الإهتمام بالطاقات المتجددة من خلال استكمال ورش مخطط المغرب الأصفر) وبفضل هذه المشاريع، عرفت هذه الأقاليم طفرة وقفزة في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية وفي البنيات التحتية، وقد تبنى المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لهذا المشكل وهو ما أكده الخطاب الملكي بتاريخ 6 نونبر 2019، كما أكد جلالته على أنه سيتم بناء قطار فائق السرعة يربط المغرب من شماله إلى جنوبه،وفي خطاب المسيرة الخضراء للسنة الماضية 2020،أكد جلالته بأن مبادرة الحكم الذاتي تحظى بتأييد دولي.

وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي نوعا من أنواع اللامركزية وبالضبط السياسية، التي تقتضي منح الاستقلال السياسي للجهات مع خضوعها للمركز، وتقتضي هذه المبادرة أن يعطى للصحراويين الحرية في أن يسيروا شؤونهم بأنفسهم، مع خضوعهم للسيادة المغربية ، ويتجلى الحكم الذاتي في أن الأقاليم الصحراوية المغربية سيكون لها برلمان جهوي يسن القوانين وقضاء جهوي يصدر أحكامه بإسم جلالة الملك وطبقا للقانون وحكومة جهوية تحت رئاسة رئيس حكومة جهوي مهمتها تنفيذ القوانين وإصدار المراسيم مع خضوعها للملك ولدستور المملكة وللعملة الوطنية وللنشيد وللعلم الوطني ، دون أن ننسى بأن الدولة ستحتفظ بإختصاصات لها في جهات الحكم الذاتي يباشرها مندوب الحكومة، وتعتبر هذه المبادرة فرصة ذهبية وتاريخية ينبغي حسن إستغلالها لحل نزاع دام سنين وشكل حلقة تعثر أمام بناء المغرب العربي، وقد سبق لجلالته في خطاب أديس أبابا سنة 2017 أن تأسف عن حجم المبادلات التجارية الضعيفة بين دول اتحاد المغرب العربي وهذا يخالف معاهدة مراكش لسنة 1989، فهذه المبادرة حظيت بتنويه مختلف دول العالم وأثبتت عن شجاعة ونية وصدق المغرب في حل هذا النزاع، وتجدر الإشارة أن جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه كان يريد في فترة حكمه تطبيق النموذج الألماني “لاندر” نظرا لإعجابه به وأولا وقبل كل شيئ لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.

إن الديبلوماسية الملكية الناعمة أثبتت ذكاءها وتفوقها في ملف الصحراء المغربية وحظيت بإعجاب مختلف دول العالم ومن ثمارها أن العديد من الدول سحبت إعترافها بالكيان الوهمي” البوليساريو” وشكلت عودة المغرب إلى بيته الإفريقي سنة 2017 أكبر انتصار،إذ اعتمد على عدة مقاربات ساهمت في مواجهة الأطروحات الإنفصالية التي كانت تروجها الجزائر والبوليساريو بسبب غياب المغرب من هذه المنظمة،نذكر منها:

في إطار تعزيز المبدأ الأممي القائم على” إنماء العلاقات الودية وحسن الجوار” فقد بادر جلالته في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2018 إلى فتح باب الحوار مع الجارة الشقيقة الجزائر من خلال اقتراحه بتشكيل هيئة سياسية، وفي سنة 2019 وبالضبط في خطاب العرش أعرب جلالته عن فرحه بفوز الجزائر بالكأس الإفريقي، وقد خصص في خطاب العرش 2021 مواصلة سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر،ومع ذلك نجد أن الجارة الشقيقة الجزائر لازالت تواصل عدوانها تجاه المغرب، وتستغل أطفال صغار من خلال تدريبهم عسكريا للإنخراط في الجبهة الإرهابية البوليساريو، ولعل الصور التي قدمها السفير الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة “عمر هلال” خلال الإجتماع الأخير خير دليل على ذلك.

إن السياسة المغربية منذ اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 وهي تنهج مقاربة سلمية وما يدل على ذلك تحرير القوات المسلحة الملكية بطريقة سلمية احترافية لمعبر الكركرات بتاريخ 13 نونبر 2020.

بفضل السياسة الخارجية المغربية القائمة على المصداقية والنزاهة والشفافية والوضوح استطاع المغرب كسب ملف الصحراء المغربية وهذا ما أكده السفير الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة “عمر هلال”،إن هذه السياسة أعطت ثمارها من خلال فتح العديد من القنصليات في كل من العيون والداخلة والتي وصل عددها ل25 دولة، آخرها دولة سيراليون، منها 3 دول عربية (الإمارات، البحرين، الأردن)،والباقي إفريقية، دون أن ننسى الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بتاريخ 10 دجنبر 2020،وقرار الولايات المتحدة الأمريكية فتح قنصليتها بالداخلة، بالإضافة إلى أنه مؤخرا قررت دولة كولومبيا كأول دولة في أمريكا الجنوبية(اللاتينية) تعميم قنصلياتها بالمغرب لتشمل الصحراء المغربية.

خاتمة:
إن السياسة المغربية الخارجية حصلت على دعم دولي وإقليمي، من طرف الأمم المتحدة آخرها قرار مجلس الأمن 2602، ثم من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى غالبية الدول الإفريقية، فهذه السياسة تقوم على ثلاثة أبعاد:

الهوامش :
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة :3600.

“سعاد بلعربي، حاصلة على ماستر تدبير الشأن العام المحلي “

Exit mobile version