Site icon Chamalpress | شمال بريس

أشرف لعروصي: سلوة اللَّهفان.. بتطهير الجَنان

للنفس رغبات، وأمور تشبُّ عَليهَا.. منها ما يكون صفة راسخة لها، تذكر معها حيث ذكرت، ويصعب فكاكُها منها، وعلاقتها بالنفس علاقة الروح بالجسد، ومتى ما ألفت النفس شيئاً جعلت بينه وبين ما يحول بينها وبينه سدَّا منيعاً، فلا تزال تصارع كل ما يعكر عليها الصفو، أو يمنعها من الوصول إلى محبوبها، أو وصول محبوبها إليها، ولا تستسلم حتى يبغتها أمر خارج عن إرادتها، فتتعثر أمامه تعثرا لا تقوم منه إلا وهي تتهادى تارة…وتضعف تارة؛ راضخة للتعثر، ومستسلمة له..

ولما كان رمضان المبارك تتزين سماؤه بمصابيح التراويح، ويظل مرتادو المساجد فيه كالكوكب الدري في الأفق الغابر لا يكدره غيم و لا قتر، شقّ على هذا الكوكب أن يُطْمس نوره، وتظلم أفلاكه..

كَأَنَّ أَيَّامَهُ فِـــــــــي الحُسْنِ لُؤْلُؤَةٌ

وَلَيلَهُ -يَمْلَأُ العَينَينِ- بَــــــــــرَّاقُ

إِيهٍ نَسَائِمُهُ تَنْهَــــــــــــــــلُّ عَابِقَـةً

وَتَنْتَشِي دَهْشَةً فِـي الأُفْقِ أَشْوَاقُ

إذ كيف لمن أضحت نفسه محلقة في جوّ السماء، تحوطه القداسة، ويستوحي منها البهاء، زمناً طويلا أن تهوي به الريح؛ لتلصقه بالوحلِ..

وهذه هي الحال المؤرقة في رمضان…إذ لم يمر علينا رمضان كهذا، حيث المساجد موصدة، وَعلَى أبواب إفطار الصائمين رتاج، والقلق ينتاب قلوب العابدين، ومرابع الأيام موحشة، فليس رمضان اليوم كرمضان أمس، وقد جاءنا بغير الوجه الذي كنا نعرفه به..

إنه لعزيز على النفس أن تشهد رمضان، وتكون روحانيته القدسية، ونفحاته الطاهرة مجرد ذكرى سابقة، مفقودة في الحاضر…

هذا لعمر الله غصة في الحناجر، وشوكة في الأقدام، ووخز في الصدور، ولكن ذلك قدر الله الذي لا رادّ لقدره، وحسن ظننا بربنا، ويقيننا أن هذه فترة عابرة غير مستقرة، وسيعود لرمضان نوره، وتفتح أبواب المساجد، وينفخ الروح في الأنفس بعد موتها…

وسيأتي على كورونا يوم يكون ذكرى عابرة، وأثرًا بعد عين، وخبرًا منسيا، ولله الأمر من قبل، ومن بعد.

  رمضان مبارك، وكل عام وأنتم بخير

بقلم أشرف لعروصي/باحث في سلك الدكتوراه

Exit mobile version