مما لاشك فيه أن التنظيم الإداري المغربي مر بعدة مراحل وأشكال مختلفة من الهياكل فرضتها كل حقبة مرت بها الدولة ,فمند الاستقلال والاشتغال قائم على تطوير الإدارة المحلية من خلال العمل بمقاربة جديدة للتنمية تنتقل فيها الدولة من النظرة الكلية الأفقية للمشاكل والمتطلبات إلى الرؤية المجزأة والعمودية ,أي الدولة كجماعات وأقاليم وجهات ,لها خصوصيتها وحاجيتها الخاصة التي يجب معالجتها بشكل دقيق لتحديد طبيعة وحاجة كل واحدة ووضع خطط التنمية الملائمة.فالمفهوم الجديد للامركزية لا يعتبر فقط وسيلة من وسائل التنسيق بين مختلف الأنشطة الاقتصادية والمالية على صعيد كل المستويات الإدارية ولكنها أيضا وسيلة لاستغلال كل الطاقات المحلية والوطنية لتحقيق التنمية الشمولية ,فهده الأهمية البالغة التي أضحت تكتسيها اللامركزية لم تقتصر على نظام أخر كما أنها لم تستقر على معايير معينة.
فقبل وصولنا للتنظيم الترابي بالشكل القانوني الحالي الذي يعرفه المغرب فقد مر بعدة مراحل من الاستقلال إلى الآن بدءا بظهير سنة 1959 الذي قسم المغرب إلى 16 إقليم وولايتين والدي تم تتميمه بالميثاق الجماعي الصادر بتاريخ 23يونيو1960 والدي شكل النواة الأولى للامركزية إدارية ,ونص على نوعية الجماعات ,جماعات حضرية و قروية,ليصدر بعده ظهير 12 دجنبر 1963 احدث مستوى ثاني من اللامركزية ,مجالس العمالات والأقاليم ,ثم ظهير 30شتنبر1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي والدي شكل انداك نقلة نوعية في مجال تشكيل ومهام الجماعات الحضرية والقانونية والدي عدل بقانون 00.78 سنة 2002 والدي سيتم تعديله سنة 2009 وصدور قانون 17.08 والدي وسع صلاحيات المجالس الجماعية.وقانون 00.79 المنظم للعمالات والأقاليم ,أما بالنسبة للجهة إن تبنيها في المغرب سيتم لأول مرة بمقتضى الظهير رقم: 77-77-1 بتاريخ 16 يونيو 1971، الذي بموجبه تم العمل بالجهوية الاقتصادية، عبر إحداث الجهات الاقتصادية الاستشارية، وعددها سبع جهات اقتصادية,إلا إن الانتقال من نظام الجهوية الاقتصادية إلى نظام الجهوية الإدارية يستمد شرعيته من المبادئ المؤسسة في دستوري 1992 و1996، حيث تم الارتقاء بالجهوية إلى مؤسسة دستورية، وتم تمتيعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي رغم تبني دستور 1992 نظام الجهوية، لم يتم إصدار قانون خاص بها إلا بعد بدء العمل بدستور 1996، بمقتضى القانون 96-47 المؤرخ في 02 أبريل 1997.وأخر ترسانة سيعرفها المغرب هي صدور دستور 2011 والفصل 135 منه الذي ينص على أن :”الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. الجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية , تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر. تحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء، محل جماعة ترابية أو أكثر، من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل”.والدي أعقبه سنة 2015 صدور قوانين الجماعات الترابية: 111.14 112.14 113.14.
فبسردنا لهده المعطيات التاريخية التي عرفتها الجماعات الترابية إلى أن وصلت لهده الصيغة الحالية لدليل للأهمية التي تحضى بها الجماعات الترابية بالهرم الإداري المغربي, هنا نطرح تساؤل لما لحدود الساعة لم يتم خلق حقيبة وزارية خاصة بالجماعات الترابية؟
فإذا كنا نعتبر الجماعات الترابية هي قاطرة التنمية ونراهن على الجهوية المتقدمة لسد العديد من الثغراث والنهوض بالاقتصاد المحلي بالإضافة لما خوله لها المشرع من صلاحيات دستورية وقانونية.
فإذا انتقلنا لبعض التجارب المجاورة وأخذنا النموذج التونسي نجده قطع مع سياسة دمج الجماعات المحلية بوزارة الداخلية سنة 2016 وخلقت وزارة الشؤون المحلية والبيئة تهتم بشؤون المعتمديات والبلديات والولايات التونسية وكل ما يتعلق بالمجالس
البلدية والمجالس الجهوية التونسية وأسندت لها مصالح كانت ضمن هيكلة وزارة الداخلية كالإدارة العامة للجماعات المحلية العمومية,وإدارة التنمية الجهوية الراجعة إلى الإدارة العامة للشؤون الجهوية ,وقسم الشؤون البلدية في كل ولاية ,وقسم المجلس الجهوي لكل ولاية.
أما بالنسبة لفرنسا والتي نستقي منها أغلبية القوانين طبعا بالخصوصية المغربية نجد لديهم وزارة la cohesion des territories et les relation avec les collectivities territoriales وهي الوزارة المسؤولة عن تنزيل السياسة الحكومية في مجال اللامركزية والتنمية والتوازن والتضامن المجالي بالتراب الوطني .وبنفس الوزارة نجد الوزير المنتدب المكلف بالجماعات الترابية Ministre auprès de la ministre de la Cohésion des territoires et des Relations avec les collectivités territoriales, chargé des collectivités territoriales.و من بين المهام الموكولة لهده الوزارة المساهمة في تطوير تدابير ممارسة مهام الجماعات الترابية خاصة التسيير الإداري والمالي كما تساهم في فتح حوار وطني حول متطلبات الجماعات الترابية كلما دعت الضرورة إلى دلك .كما موكول لها أيضا تقوية قدرات المنتخبين .
فعند استعراضنا لهاتين التجربتين فهدا لا يعني أن إحداهما تعتبر نموذج يحتذى به وإنما يمكننا نحن أيضا خلق وزارة خاصة بالجماعات الترابية وفق ما وصلنا إليه خصوصا ما منحته القوانين من صلاحيات للجماعات الترابية خصوصا الجانب التنموي.
أو ليس حيفا في حق الجماعات الترابية و بهدا الكيان التي وصلت إليه أن تكون تحث تسير مديرية,
ماذا ننتظر لفصلها عن وزارة الداخلية وخلق وزارة الجماعات الترابية والتنمية الجهوية ,تناط بها اختصاصات مواكبة عمل المنتخبين ,ومتابعة تنفيذ السياسة العامة للحكومة في مجال اللامركزية وتسهر على دفع التنمية المحلية بكامل تراب الدولة
كما يمكن أن تتولى هده الوزارة إعداد وتنفيذ مسار إرساء نظام اللامركزية و الجهوية المتقدمة وفقا للدستور والقوانين التنظيمية ,وبالتنسيق مع كافة الهيئات والهياكل العمومية ذات العلاقة وتعمل على تطوير قدرات الجماعات الترابية وتأهيلها للاندماج في المسار التنموي ,من خلال تقييم واقع الجماعات الترابية وإعداد مخطط لانخراطها التدريجي في منظومة الجهوية المتقدمة والتنمية المستدامة في إطار مقاربة واقعية،
كما أنها قد تختص باقتراح وإعداد مشاريع النصوص القانونية المتصلة بإدارة شؤون الجماعات الترابية وتوفير الاستشارات القانونية حول الإشكالات المرتبطة بمجالات اختصاصها.
كما يمكنها وضع برامج التكوين لتطوير ودعم قدرات الموارد البشرية المحلية بمختلف أصنافها والسهر على تنفيذها
كما تكون وزارة الجماعات الترابية من صلب اهتمامها رصد مجالات ومحاور التعاون الدولي في مجال اللامركزية وتنسيق علاقات الشراكة والتعاون اللامركزي بين الجماعات الترابية على الصعيدين الوطني والدولي.
كما تتولى هده الوزارة مساندة الجماعات التربية في تسيير شؤونها المحلية وإعداد وتنفيذ مخططاتها وبرامجها ومشاريعها التنموية، بالتنسيق مع الهياكل والوزارات المعنية والإشراف على البرامج الوطنية ذات الصلة باختصاصات الجماعات الترابية.
هدا ادا كنا نبحث عن مقاربة شمولية لتجويد عمل الجماعات الترابية ,والعمل على تشكيل إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مبنية على نقاط القوة المتواجدة بالتراب المحلي والعمل على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، والارتكاز كما سبق واقترحنا على جهاز تنظيمي موحد وشامل.